Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
مُقدِّمة الجُزء الأوَّل
فيما يلي مقال مُختصَر جدًّا عن أحد أبرز رجال الكنيسة في زمانه حاولت فيه تسليط الضَّوء على ما لم أجده في مقالات تناولت شخصيَّته الجدليَّة؛ طرحتُ في هذه السُّطور بعض الإشكالات وأجبتُ عنها؛ وأشرتُ مرَّات -ولو بجُملة قصيرة- إلى ما يتحمَّل الإطالة في مقالات لاحقة إنْ شاء الله، وهذا المقال فيه شيء قليل مِن العلم ولكن حاولت فيه استخلاص ما يُبتنَى مِن فهم العقائد الدِّينيَّة بالأدلَّة والقرائن ورُبَّما مِن الاحتمالات الَّتي تنشأ مِن الشُّبُهات في التَّحليل الفكريِّ لوقائع تاريخيَّة قديمة.
في هذا المقال:
- أبرز المحطَّات في السِّيرة الذَّاتيَّة.
- أبرز العقائد المنقولة عن آريوس.
- هل كان آريوس مُسلمًا عيسويًّا؟
الجُزء الأوَّل
أبرز المحطَّات في السِّيرة الذَّاتيَّة.
أحد أبرز رجال الكنيسة في وقته؛ وَلِدَ سنة 256 في ليبيا وتُوُفِّيَ في القسطنطينية سنة 336 بالتَّقويم الرُّوميِّ قبل البعثة المُحمديَّة بنحو 235 سنة في زمن ضجَّت الكنيسة بالخلافات العقائديَّة والمُناظرات الَّتي يُعَبِّر فيها كُلُّ فريق عن فهمه للدِّين، فدرس ما يُسمَّى باللَّاهوت أو الإلهيات ويُقصد بها العقائد في مدرسة الإسكندريَّة ثُمَّ في مدرسة أنطاكيَا وهُمَا مدرستانِ على طرفَيْ نقيض في فهم اللَّاهوت.
ولم يكُن آريوس ظاهرة شاذَّة بين رجال الكنيسة في زمانه فقد سبقه مَن كان على منهجه ثُمَّ لحق به مَن أيَّد أفكاره وانتصر لها؛ ويظهر هذا من سياق المنقولات الكثيرة. دخل آريوس في سلك رجال الكنيسة في الإسكندرية فَفُصِل مرَّات وأُعيد مرَّات ولكنَّه تمكَّن مِن تثبيت نفسه مرجعيَّة كبيرة وذَا شأن كبير في المدينة حتَّى اصطدم بالكسندروس -أسقف الإسكندريَّة- حين أنكر أنْ يكون المسيحُ ابنَ الله وكان هذا مُقدِّمة لمحنة كبيرة.
تصرُّف آريوس يُعطي إشارة واضحة إلى عدم إجماع رجال الكنيسة في ذلك الزَّمان على تحريف تعاليم المسيح عليه السَّلام لا سيَّما وقد نَقَلَت لنا الأخبار أنَّ آريوس شخصيًّا هُو مَن عمِل على تثبيت الكسندروس أسقفًا للإسكندريَّة ممَّا يُشير إلى احتمال نُشوء الأفكار الشِّركيَّة حديثًا وقتها لدى ألكسندروس نفسه في واقع يُشبه جزئيًّا مَا نشهده في حاضرنا مِن فِرق تمتلك الثَّروات الماليَّة والنُّفوذ السِّياسيُّ تُحرِّف تعاليم الإسلام.
آريوس اتَّهم الكسندروس باستمداد تلك العقيدة مِن السابيليَّة عبدَة الشَّمس والأوثان ممَّا ينفي صحَّة نقلها عن المسيح عليه السَّلام وتمكَّن الكسندروس مِن مجمع قسوس الكنيسة فبُدِّعَ آريوس فارتحل إلى حيث وافقه الأساقفة وأيَّدوه وبرَّأوه في مجمَّع نيقوميديَا (في تُركيا اليوم)، فرفض الكسندروس ذلك وعم في مجمع الإسكندريَّة سنة 318ر على تثبيت إدانة آريوس الَّذي اغتنم ظروفًا سياسيَّة ليعود إلى الإسكندريَّة وينشُر دعوته.
وفي كتاب [حياة قسطنطين]: <أخذ يعمل بحماس شديد وبأساليب مُبتكرة لأجل عقيدته بأنَّ المسيح مخلوق ونشرها بين الجماهير عن طريق الأحاديث والأشعار>.. فغضب أسقف الإسكندريَّة والإمبراطور قسطنطين الأوَّل 272-337ر -أُمُّه هيلانة- وكان وثنيًّا تدخَّل في النِّقاشات والمُناظرات لصالح الكسندروس في نيقية أو ما عُرف باسم “المجمع المسكونيِّ الأوَّل” سنة 325ر حين أُرسِل آريوس إليه مُكبَّلًا بالقيود.
وللأسف فقد عُقِد هذا المجمع برئاسة الكسندروس الأوَّل بطريرك الإسكندريَّة وأوسابيوس القُرطبيِّ أسقف إسبانيَا وهُمَا مُعاديان لآريوس، وحضر الإمبراطور شخصيًّا. ويروي كتاب [مجمع نيقية] للأسقف بيشوي أنَّ المجمع انعقد بحضور 318 أسقفًا 22 منهُم مُؤيِّد لألكسندروس و16 منهُم مُؤيد لآريوس بينهم أسقف نيقية نفسه بينما لم يكن الباقون قد اتَّخذوا موقفا! انتهى ما أردت اقتباسه بتصرُّف مِن كتاب بيشوي.
فإنْ صحَّ ما تقدَّم مِن الأخبار فهي تُؤكِّد حداثة نشوء عقيدة القول بإلوهيَّة المسيح في ذلك الزَّمان، وبكُلِّ حال فإنَّ المجمع لم يُثمر اتِّفاقًا بين المُؤتمرين حتى تدخَّل الإمبراطور وكان لا زال على وثنيَّته حيث يُرجِّح البعض أنَّه لم يتنصَّر إلَّا بعد قيام عاصمته الجديدة سنة 330ر والَّتي عُرفَت بعد موته سنة 337 باسمه القسطنطينيَّة كما يُثبتون أنَّه لم يتعمَّد إلَّا قبل موته بسنة واحدة أي سنة 336ر وعلى يد أسقف آريوسيٍّ!.
وخرج المجمع بما عُرف باسم “قانون إيمان مجمع نيقية” وأكَّد على إدانة آريوس الَّذي تمَّ نفيُه إلى ألليريا إلَّا أنَّ هذا لم يُنهِ أفكار آريوس ولم يُوقف الخلاف فاستمرَّت المفاهيم الآريوسيَّة بالانتشار نظرًا لوُجود كثير ممَّن يحملون عقائد مُشابهة لعقيدة آريوس ونظرا لتوفُّر الكثير مِن المُناصرين له وكذلك نظرًا -بالتَّقدير لحداثة المُعتقد المذكور- إلى خُلُوِّ مُعتقدات مُعظَّم العامَّة مِن القول بإلاهيَّة المسيح في ذلك الزَّمان.
كُلُّ هذا أجبر الإمبراطور على استدعاء آريوس مِن منفاه سنة 327ر قبل أنْ يعود فيُرسله إلى قسطنطينيَّة حيث وافته المنيَّة فيها سنة 336ر مقتولًا مسمومًا كما يُؤكِّد باحثون. مع ذلك فقد استمرَّ مذهب آريوس بالانتشار حتى غلب في مرحلة لاحقة وتغلَّب على خُصومه إلَّا أنَّ التَّحريف عاد ليقع حتَّى في نقل أفكار آريوس نفسها وفي دعوته وهذا ما سأُجيب عنه في الجُزء الثَّاني مِن هذا المقال إنْ شاء الله.
نهاية الجُزء الأوَّل.