اضطراب القلق هو أكثر الأمراض العقلية شيوعاً، ويحدث عندما نبالغ في تقدير احتمالية حدوث شيء سيئ ونقلل من شأن قدرتنا على التعامل معه.
يؤثر اضطراب القلق العام على 40 مليون بالغ في الولايات المتحدة وحدها، وتقول ناتالي داتيلو، الحاصلة على درجة الدكتوراة وأخصائية علم النفس الإكلينيكي ومديرة قسم علم النفس في مستشفى Brigham & Women’s بمدينة بوسطن: “إذا نظرنا إلى القلق من وجهة نظر علم النفس، سنفكر فيه باعتباره خطأً في التقدير”.
بدوره قال ستيف غروس، وهو أخصائي اجتماعي مُرخص ومؤسس مؤسسة Life is Good للأطفال، إن الخوف والقلق هما شعوران متأصلان بداخلنا.
وأضاف غروس لموقع Health Line الأمريكي: “يوجد لدى البشر شيء يسمى الانحياز البشري للسلبية، وهذا يعني أننا مُبرمجون على الانتباه للمعلومات المُخيفة والمُهدِّدة أكثر من المعلومات الإيجابية المُطمئنة”.
يعود ذلك إلى عملية البقاء، عندما كان الإنسان الأول يصطاد الغِذاء والماء والمأوى. أبقى التهديد المستمر بالتعرض للهجوم الإنسان في حالة “القتال أو الفرار”.
وتابع غروس: “يكون بعض القلق رد فعل نفسياً عندما يفرز جسمك أدرينالين بكثرة ويدخل في حالة ترقب الخطر. وفي حين أن القلق قد يكون مبالغة زائدة في تقدير خطورة شيء، فهو محاولة من جسمك للحفاظ عليك آمناً”.
ومع ذلك، فإن كلا الخبيرين يقول إن التفاؤل يمكن أن يساعد في تقليل القلق.
قالت داتيلو: “أرى التفاؤل باعتباره مزيجاً من التفكير الإيجابي ومشاعر الأمل والسلوك المدفوع بالأهداف والثقة. ليس حتمياً أن نعتبره التفكير في نصف الكوب الممتلئ ولا النظارات الوردية. إنه يتعلق بطريقة تفسيرك للأشياء التي تحدث لك في الحياة، خصوصاً الأشياء التي لا تسير على ما يرام، وماذا تتوقع أن يحدث في المستقبل”.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
على سبيل المثال، عندما لا تسير الأمور على ما يرام، فمن المحتمل أكثر أن يفكر الشخص المتفائل أنه يمر بعائق مؤقت، لا أن مستقبله حُكم عليه بالفشل.
بينما يمكن أن يعطي هذا انطباعاً بالإنكار أو عدم الواقعية، يقول غروس إن الشخص المتفائل يدرك الأشياء السيئة في الحياة، لكنه يختار عدم الاستغراق فيها.
وأضاف: “نُعرِّف التفاؤل بأنه قدرتنا على رؤية الخير والإحساس به والتركيز عليه سواء كان في أنفسنا أو في الآخرين أو من حولنا”.
إليك 7 طرق لكي تصبح متفائلاً ولتُقلّل مشاعر اضطراب القلق:
1. غيّر طريقة تفكيرك
عندما تتعامل داتيلو مع مرضى يعانون من القلق تستخدم العلاج الكلامي لتُغير تفكيرهم.
قالت داتيلو: “أتحدث عن كيفية ترسخ أنماط تفكيرنا عصبياً. إذا أردنا تغيير طريقة تفكيرنا في أنفسنا والناس والعالم سوف يتطلب الأمر وقتاً لصنع مسارات عصبية جديدة”.
وأضافت: “المخ مرن وطيع وقابل للتغيير للغاية، ولديه المقدرة على تكوين وصلات جديدة بين أجزاء من المخ لم تكن تتواصل بكثرة. وذلك يتطلب وقتاً وتكراراً وخبرات جديدة حتى ترسخ الأفكار الجديدة التي نحاول ممارستها”.
وضّحت داتيلو أن جزء المخ المسمى القشرة المخية الجبهية، المهمة لإدماج المعلومات من مراكز الإدراك والتفكير والعاطفة، تكون أكبر وأكثر تطوراً في الأشخاص الذين يميلون أكثر للتفاؤل وأقل قلقاً.
عندما تعمل داتيلو مع مرضاها، تهدف أولاً لجعلهم يدركون وجود أنواع تفكير مختلفة. وبعد ذلك يناقشون عقبة لتحديد أي أنماط التفكير يمثل مشكلة.
على سبيل المثال، عبر سلسلة من الأسئلة سيحدد المريض مع داتيلو ماذا كان يدور بذهنه عندما حدثت العقبة، وكيف يفكر فيها الآن.
ثم تحدد داتيلو عدد الأفكار التي يستخدمها للتنبؤ بالمستقبل، وما هي الأفعال التي يأخذها أو يمتنع عنها بناءً على ذلك التفكير.
العنصر الأكثر أهمية هو انتهاج طريق تفكير جديد.
قالت داتيلو: “أشخاص كثيرون يتخلون عن جهودهم باكراً جداً قبل ملاحظة ترسُّخ أي تغيير أو استمراريته. مرحلة الاستمرارية هي جزء مهم من العلاج، نكون عدلنا أفكاراً كثيرة وخضنا علاجاً نشطاً وبعد ذلك نمضي بعض الوقت نمارس طريقة التفكير الجديدة وندمج أو نخزن هذه الأفكار حتى تكون متاحة لك بشكل أكبر وتصبح طريقة التفكير التلقائية”.
2. تغلب على مخاوفك
يميل الأشخاص الذين يعانون من القلق المزمن (يسمى اضطراب القلق العام) إلى التفكير بطريقة التفكير الكارثي التي تتضمن توقع ألا تسير الأمور مثلما ينبغي.
قالت داتيلو: “يمكن أن يكونوا متوترين وقلقين وعاجزين عن الاسترخاء بسهولة. يبالغون في الاستعداد ويبالغون في القلق ويبالغون في التفكير”.
تشير إلى هذا باعتباره أزمة في الثقة.
يشير غروس إلى أن فهم مخاوفك وجمع المعلومات عنها هي ترياق الخوف.
وأضاف: “إذا كانت لديك مخاوف، فإن فهم احتماليات حدوثها يمكنها أن تضع الأشياء في نصابها الصحيح عقلياً. أشخاص كثيرون يكون لديهم إدراك مشوه للخطر الذي يحدث في العالم. تحتاج لأن تكون منتبهاً لحقيقة أنه نعم من الممكن أن تحدث أشياء، لكن أشياء أخرى أيضاً يمكن أن تحدث”.
وتابع: “تحتاج إلى أن تقدّر بطريقة واقعية احتمالية حدوث أمر سلبي وأن تقدّر بدقة قدرتك على التعامل معه”.
تساعد داتيلو مرضاها على فعل هذا بأن تطلب منهم التفكير في حدث مزعج قريب وعلى مقياس من 0 إلى 100 يجيبون عن الأسئلة الآتية:
ما مدى احتمالية ألا يُحل هذا أو يتغير أبداً؟
للأشخاص الذين يميلون للمبالغة في تقدير الاحتمالية، تجادلهم حتى يتقبلوا أنه واقعي وبأن أغلب الأشياء تُحل بمرور الوقت.
ما مدى احتمالية أن يؤثر هذا الحدث على كل شيء في حياتك؟
يمكن أن يساعد التفكير في أن الحدث يؤثر على بعض نواحي الحياة ولا يؤثر في البعض الآخر، على إدراك أنه ليس كارثياً مثلما كان يُعتقد في البداية.
ما هي العوامل الأخرى التي ربما ساهمت في الحدث؟
تقول داتيلو إن امتلاك دور في نتائج الحدث أمر مهم.
يذكر غروس أنه بالإضافة إلى ذلك، فإن جزءاً من هذه العملية يشمل تقبل أن الخوف ليس العدو.
وأضاف: “هناك خطورة في كل شيء نفعله، والقلق هو مبالغة في تقدير خطورة شيء ما”.
على سبيل المثال، إذا كنت قلقاً من إلقاء كلمة في المدرسة أو العمل وأن تبدو أحمق، ينصحك بأن تفكر في ماذا سيحدث إذا كانت هذه هي الحالة، إضافة إلى التفكير أيضاً في النتائج الأخرى التي يمكن أن تحدث.
وقال غروس: “هل من الممكن أن تستطيع الكلام ويعجب الناس بما قلته؟ تحتاج لأن تكون قادراً على تخيّل النتائج الإيجابية، وتدرك أن النتائج السلبية لن تدمرك”.
3. أحِط نفسك بالمتفائلين
تقول داتيلو إنه إذا كنت منفتحاً لأن تكون متفائلاً، يمكن أن يكون سماع كيف يفسر أشخاص متفائلون آخرون قصصهم وأحداثهم مفيداً من ناحية عرض النماذج. ومع ذلك إذا كنت مازلت في منطقة التشكك في تأثير التفاؤل على القلق، فربما لا يكون فعالاً.
قالت داتيلو: “يشبه الأمر تعلم لغة مُختلفة. إذا كان لديك فهم أساسي للغة وتريد أن تغمر نفسك فيها، من الممكن أن يكون هذا مفيداً، لكن إذا وضعت في دولة مختلفة وتحاول تعلم لغتها، ربما تصبح مُرتبكاً”.
4- اكتب قائمة بأسماء من يجعلونك تشعر بأنك بخير
يقول غروس إن الحفاظ على وجود الأشخاص الذين يجعلونك تشعر بالهدوء والأمان والراحة بالقرب منك يمكن أن يؤدي للتغيير الإيجابي.
وأضاف: “علاقاتك الاجتماعية هي واحدة من أفضل أساسيات (الوصول) لنتائج إيجابية، لذلك إذا كنت تشعر بالقلق، فإنَّ قضاء الوقت مع هؤلاء الأشخاص يمكن أن يجعلك تشعر بالتحسن”.
وذكر أن معدلات القلق تتزايد لأن الناس أصبحوا منعزلين اجتماعياً أكثر من أي وقت مضى.
قال غروس: “هنالك رابط بين مشاعر العُزلة ومشاعر القلق. إذا كنت تنتمي إلى قبيلة في الماضي، كنت تشعر بالحماية”.
5- حدد هدفاً إيجابياً يومياً
الاستيقاظ كل صباح وتحديد أو كتابة هدفك لهذا اليوم يمكن أن يجعلك في حالة ذهنية إيجابية.
تدوين مذكرات الامتنان اليومية هي طريقة أخرى لبدء اليوم على نحوٍ إيجابي.
قال غروس: “عندما تستيقظ فكِّر في الأشياء التي تُقدرها، وتحوّل من التفكير في “ينبغي عليّ” إلى “لدي الفرصة”.
مثلاً بدلاً من قول “ينبغي عليّ إيصال الأطفال إلى المدرسة” جرِّب أن تحول تفكيرك إلى شيء مثل “لدي أطفال أصحاء جيدون بما يكفي للذهاب إلى المدرسة”، أو “لدي سيارة لاصطحاب أطفالي إلى المدرسة”.
6- اخرج وتواصل مع محيطك
ينصح غروس بأن تستخدم الحكمة القديمة عندما تكون قلقاً، توقف واستنشق الأزهار.
قال غروس: “يمكن للتواصل مع الطبيعة وأن تكون حاضراً بالرؤية واللمس والسمع والشم أن يحوّل إطارك المرجعي. إذا أمكنك أن تكون حاضراً كلياً في اللحظة، فلا وجود للقلق؛ لأن القلق هو شيء حدث أو شيء سيحدث”.
7- شق طريقك للبهجة بالابتسام
يعتقد غروس أن البهجة تكون مصدر الابتسامة أحياناً، لكن في أحيان أخرى تكون الابتسامة هي مصدر البهجة.
قال غروس: “أحياناً نكون سعداء، لذلك نحن سعداء عندما نبتسم، لكن أحياناً يكون العكس صحيحاً. إذا ابتسمت، يمكنك أحياناً خداع جسمك ليشعر بالسعادة”.
ترى داتيلو الأمر نفسه، وتذكر أن المكونات الحيوية والنفسية والاجتماعية تساهم كلها في القلق. وتقول إن الأبحاث التي تتضمن العلاقة بين العقل والجسم تظهر أكثر وأكثر أن التفكير العقلي الأفضل له أثر على وظائف الجسم.
قالت داتيلو: “يمكن للمناطق المسؤولة عن تنظيم الانفعالات في المخ أو المُساهمة في استجابة “القتال أو الفرار”، وهي استجابة للقلق تطلق تغيرات هرمونية حادة في الجسم وتؤثر على أجهزة أخرى، أن تبدأ في الإضرار بجسمك”.
من أمثلة ذلك بحسب دتيلو، عندما يكون الأشخاص متوترين للغاية أو مُنهكين يميلون لأن يمرضوا أكثر من المعتاد.
وأضافت: “هذا هو السبب في أن ممارسة الرياضة أو التداوي يمكن أن تساعد في ضبط القلق والحالة المزاجية، مع أنهما لا يستهدفان الأشياء التي تفكر فيها مباشرة، يمكنك اعتبارهما يتخطيان ذلك ويذهبان مباشرة إلى العوامل الحيوية”.
تعتقد داتيلو أن علم النفس الإيجابي وعلم أنماط التفكير العقلية يحققان تقدماً.
وقالت: “العلاج الذهني الجسماني يختبر توقعاتنا، لأن ما نعتقد أنه على الأرجح سيحدث، هو في الغالب ما سيحدث فعلاً. نظهر بعض الدعم العلمي القوي لهذا، ويمكننا البرهنة عليه بطرق لم نكن قادرين عليها في الماضي”.
المصدر: عربي بوست.