Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
الحمد لله الرحيم الرحمن، المنزَّه عن الشبيه والمثيل والزوجة والولد والإخوان، الموجود بلا جهة ولا مكان، المنزَّه عن كل ما لا يليق به من الصفات والنعوت، الملِك القهار ذي الجلال والجبروت، وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا محمد خير الأنام، وخاتم أنبياء الإسلام، وعلى ءاله الطاهرين، وصحبه الغرّ الميامين، ومن اتبع منهاجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
وبعد فهذه رسالة للحافظ الذهبي احتوت على نصيحة أرسلها إلى شيخه ابن تيمية، أحببنا طبعها نصيحة منَّا.
ليعلم أن أحمد بن تيمية هذا الذي هو حفيد الفقيه المجد بن تيمية الحنبلي المشهور، ولد بحرّان ببيت علم من الحنابلة، وقد أتى به والده الشيخ عبد الحليم مع ذويه من هناك إلى الشام خوفًا من المغول، وكان أبوه رجلاً هادئًا أكرمه علماء الشام ورجال الحكومة حتى ولّوه عدة وظائف علميّة مساعدة له، وبعد أن مات والده ولّوا ابن تيمية هذا وظائف والده بل حضروا درسه تشجيعًا له على المضيّ في وظائف والده وأثنوا عليه خيرًا كما هو شأنهم مع كل ناشىء حقيق بالرعاية. وعطفهم هذا كان ناشئًا من مهاجرة ذويه من وجه المغول يصحبهم أحد بني العبّاس، وهو الذي تولى الخلافة بمصر فيما بعد، ومن وفاة والده بدون مال ولا تراث بحيث لو عُيّن الآخرون في وظائفه للقِيَ عياله البؤس والشقاء.
وكان في جملة المثنين عليه التاج الفزاري المعروف بالفركاح وابنه البرهان والجلال القزويني والكمال الزملكاني ومحمَّد بن الحريري الأنصاري والعلاء القونوي وغيرهم، لكن ثناء هؤلاء غرّ ابن تيمية ولم ينتبه إلى الباعث على ثنائهم، فبدأ يذيع بدعًا بين حين وءاخر، وأهل العلم يتسامحون معه في الأوائل باعتبار أن تلك الكلمات ربما تكون فلتات لا ينطوي هو عليها، لكن خاب ظنهم وعلموا أنه فاتن بالمعنى الصحيح، فتخلَّوا عنه واحدًا إثر واحد على توالي فتنه، إلا أنه استطاع أن يموّه ويضرّ بعض من صحبه كما ذكر تاج الدين السبكي تلميذ الذهبي، فقد قال في كتابه طبقات الشافعية محذرًا من ابن تيمية ما نصه: “واعلم أن هذه الرفقة أعني المزي والذهبي والبرزالي وكثيرًا من أتباعهم، أضرَّ بهم أبو العباس بن تيمية إضرارًا بيّنا وحمّلهم من عظائم الأمور أمرًا ليس هيّنا وجرّهم إلى ما كان التباعد عنه أولى بهم، وأوقفهم في دَكادِك من نار، المرجوّ من الله أن يتجاوزها لهم ولأصحابهم” اهـ.
فإذا كان هذا هو حال هؤلاء فلا يهولنك أيها الطالب للعلم ما يشيعه الفِرق الوهابية عن ابن تيمية أنه شيخ الإسلام وناصر السنة، ورسالة الذهبي هذه شاهدة لكلام السبكي مع أنه أي الذهبي كان متأثرًا بشيخه ابن تيمية لكنه مع ذلك لم يستطع إلا أن يوجه نصيحة له بعدما كَثُر طعنه وتجريحه للمسلمين بالباطل.
ثم إن ابن تيمية وإن كان ذاع صيته وكثرت مؤلّفاته وأتباعه، هو كما قال فيه المحدّث الحافظ الفقيه ولِيّ الدين العراقي ابن شيخ الحفّاظ زين الدين العراقي في كتابه الأجوبة المرضيّة على الأسئلة المكيّة: “علمه أكبر من عقله”، وقال أيضًا: “إنه خرَق الإِجماع في مسائل كثيرة قيل تبلغ ستين مسألة بعضها في الأصول وبعضها في الفروع خالف فيها بعد انعقاد الإجماع عليها” اهـ. وتبعه على ذلك خلقٌ من العوام وغيرهم، فأسرع علماء عصره في الردّ عليه وتبديعه، منهم الإمام الحافظ تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي قال في الدرّة المضية ما نصّه: “أما بعد، فإنه لمّا أحدث ابن تيمية ما أحدث في أصول العقائد، ونقض من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد، بعد أن كان مستترًا بتبعية الكتاب والسُّنّة، مظهرًا أنه داعٍ إلى الحقّ هادٍ إلى الجنّة، فخرج عن الاتّباع إلى الابتداع، وشذّ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع، وقال بما يقتضي الجسميّة والتركيب في الذات المقدّس، وأن الافتقار إلى الجزء _ أي افتقار الله إلى الجزء _ ليس بمحال.
وقال بحلول الحوادث بذات الله تعالى، وأن القرءان محدَث تكلم الله به بعد أن لم يكن، وأنه يتكلم ويسكت ويحدث في ذاته الإرادات بحسب المخلوقات، وتعدّى في ذلك إلى استلزام قدم العالم، والتزامه بالقول بأنه لا أوّل للمخلوقات فقال بحوادث لا أوّل لها، فأثبت الصفة القديمة حادثة والمخلوق الحادث قديمًا، ولم يجمع أحد هذين القولين في ملّة من الملل ولا نِحلة من النّحَل، فلم يدخل في فرقة من الفِرق الثلاث والسبعين التي افترقت عليها الأُمّة، ولا وَقفت به مع أمة من الأمم هِمَّةٌ، وكل ذلك وإن كان كفرًا شنيعًا مما تَقِلّ جملته بالنسبة لما أَحدث في الفروع”. ا.هـ.
وقد أورد كثيرًا من هذه المسائل الحافظ أبو سعيد العلائي شيخ الحافظ العراقي، نقل ذلك المحدّث الحافظ المؤرخ شمس الدين بن طولون في ذخائر القصر، قال ما نصه:
“ذكر المسائل التي خالف فيها ابن تيمية الناس في الأصول والفروع، فمنها ما خالف فيها الإِجماع، ومنها ما خالف فيها الراجح من المذاهب، فمن ذلك: يمين الطلاق، قال بأنه لا يقع عند وقوع المحلوف عليه بل عليه فيها كفَّارة يمين، ولم يقل قبله بالكفارة أحد من المسلمين البتة، ودام إفتاؤه بذلك زمانًا طويلًا وعظم الخطب، ووقع في تقليده جمّ غفير من العوامّ وعمَّ البلاء. وأنَّ طلاق الحائض لا يقع وكذلك الطلاق في طهر جامع فيه زوجته، وأنَّ الطلاق الثلاث يردّ إلى واحدة، وكان قبل ذلك قد نقل إجماع المسلمين في هذه المسألة على خلاف ذلك وأنَّ من خالفه فقد كفر، ثم إنه أفتى بخلافه وأوقع خلقًا كثيرًا من الناس فيه. وأن الحائض تطوف في البيت من غير كفارة وهو مُباح لها. وأنَّ المكوس حلال لمن أقطعها، وإذا أخذت من التجار أجزأتهم عن الزكاة وإن لم تكن باسم الزكاة ولا على رسمها. وأنَّ المائعات لا تنجس بموت الفأرة ونحوها فيها وأن الصلاة إذا تركت عمدًا لا يشرع قضاؤها. وأنَّ الجنب يصلي تطوعه بالليل بالتيمم ولا يؤخره إلى أن يغتسل عند الفجر وإن كان بالبلد، وقد رأيت من يفعل ذلك ممَّن قلّده فمنعته منه. وسئل عن رجل قدّم فراشًا لأمير فتجنب بالليل في السفر، ويخاف إن اغتسل عند الفجر أن يتهمه أستاذه بغلمانه فأفتاه بصلاة الصبح بالتيمم وهو قادر على الغسل. وسئل عن شرط الواقف فقال: غير معتبر بالكلية بل الوقف على الشافعية يصرف إلى الحنفية وعلى الفقهاء يصرف إلى الصوفية وبالعكس، وكان يفعل هكذا في مدرسته فيعطي منها الجند والعوام، ولا يحضر درسًا على اصطلاح الفقهاء وشرط الواقف بل يحضر فيه ميعادًا يوم الثلاثاء ويحضره العوام ويستغني بذلك عن الدرس. وسئل عن جواز بيع أمهات الأولاد فرجحه وأفتى به.
ومن المسائل المنفرد بها في الأصول مسألة الحسن والقبح التي يقول بها المعتزلة، فقال بها ونصرها وصنف فيها وجعلها دين الله بل ألزم كل ما يبنى عليه كالموازنة في الأعمال.
وأما مقالاته في أصول الدين فمنها قوله: إنَّ الله سبحانه محل الحوادث، تعالى الله عمَّا يقول علوًّا كبيرًا. وإنه مركب مفتقر إلى ذاته افتقار الكل إلى الجزء. وإنَّ القرءان محدث في ذاته تعالى. وإنَّ العالم قديم بالنوع ولم يزل مع الله مخلوق دائمًا، فجعله موجبًا بالذات لا فاعلاً بالاختيار، سبحانه ما أحْلَمَهُ. ومنها قوله بالجسمية والجهة والانتقال وهو مردود.
وصرَّح في بعض تصانيفه بأنَّ الله تعالى بقدر العرش لا أكبر منه ولا أصغر، تعالى الله عن ذلك، وصنَّف جزءًا في أنَّ علم الله لا يتعلَّق بما لا يتناهى كنعيم أهل الجنَّة، وأنه لا يحيط بالمتناهي، وهي التي زلق فيها بعضهم، ومنها أنَّ الأنبياء غير معصومين، وأنَّ نبينا عليه وعليهم الصلاة والسلام ليس له جاه ولا يتوسل به أحد إلا ويكون مخطئًا، وصنف في ذلك عدة أوراق. وأنَّ إنشاء السفر لزيارة نبينا صلى الله عليه وسلم معصية لا يقصر فيها الصلاة، وبالغ في ذلك ولم يقل بها أحد من المسلمين قبله. وأنَّ عذاب أهل النار ينقطع ولا يتأبد حكاه بعض الفقهاء عن تصانيفه. ومن أفراده أيضًا أنَّ التوراة والإِنجيل لم تبدل ألفاظهما بل هي باقية على ما أنزلت وإنَّما وقع التحريف في تأويلها، وله فيه مصنف، هذا ءاخر ما رأيت، وأستغفر الله من كتابة مثل هذا فضلاً عن اعتقاده”. ا.هـ.
وقد استُتيب مرات وهو ينقض مواثيقه وعهوده في كل مرّة حتى حُبس بفتوى من القضاة الأربعة الذين أحدهم شافعي والآخر مالكي والآخر حنفي والآخر حنبلي، وحكموا عليه بأنه ضال يجب التحذير منه كما قال ابن شاكر الكتبي في عيون التواريخ وهو من تلامذة ابن تيمية وسيأتي، وأصدر الملك محمَّد بن قلاوون منشورًا ليقرأ على المنابر في مصر وفي الشام للتحذير منه ومن أتباعه.
قال صلاح الدين الصفدي تلميذ ابن تيمية والتقي السبكي في أعيان العصر وأعوان النصر ما نصّه:
“انفرد _ أي ابن تيمية _ بمسائل غريبة، ورجّح فيها أقوالا ضعيفة، عند الجمهور معيبة كاد منها يقع في هوّة، ويسلم منها لما عنده من النية المرجوة، والله يعلم قصده وما يترجح من الأدلة عنده، وما دمّر عليه شىء كمسئلة الزيارة، ولا شُنّ عليه مثلها إغارة، دخل منها إلى القلعة معتقلا، وجفاه صاحبه وقلا، وما خرج منها إلا على الآلة الحدباء، ولا درج منها إلا إلى البقعة الجدباء” ا.هـ. قال ذلك فيه بعد مدحه مدحًا كثيرًا.
ولنذكر فيما بعد ما قيل في ترجمة ابن تيمية وفي حبوسه وقيام العلماء وولاة الأمر عليه.
قال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة في ترجمة ابن تيمية:
“أحمد بن عبد الحليم ولد سنة 661هـ، وتحوّل به أبوه من حرّان سنة 67 فسمع من ابن عبد الدائم والقاسم الإربلي والمسلم بن علان وابن أبي عمرو والفخر في ءاخرين وقرأ بنفسه.
وأوّل ما أنكروا عليه من مقالاته في شهر ربيع الأول سنة 698 قام عليه جماعة من الفقهاء بسبب الفتوى الحموية وبحثوا معه ومُنع من الكلام، ثم حضر مع القاضي إمام الدين القزويني فانتصر له وقال هو وأخوه جلال الدين: من قال عن الشيخ تقي الدين شيئًا عزرناه.
ثم طُلِب ثاني مرة في سنة 705إلى مصر فتعصّب عليه بيبرس الجاشنكير وانتصر له سلار، ثم ءال أمره أن حبس في خزانة البنود مدة، ثم نقل في صفر سنة 709 إلى الإسكندرية، ثم أُفرج عنه وأُعيد إلى القاهرة، ثم أُعيد إلى الإسكندرية، ثم حضر الناصر من الكرك فأطلقه ووصل إلى دمشق في ءاخر سنة 712. وكان السبب في هذه المحنة أن مرسوم السلطان ورد على النائب بامتحانه في معتقده لما وقع إليه من أمور تنكر في ذلك، فعقد له مجلس في سابع رجب وسئل عن عقيدته فأملى منها شيئًا، ثم أحضروا العقيدة التي تُعرف بالواسطية فقرىء منها وبحثوا في مواضع، ثم اجتمعوا في ثاني عشرة وقرروا الصفي الهندي يبحث معه، ثم أخّروه وقدّموا الكمال الزملكاني، ثم انفصل الأمر على أنه شهد على نفسه أنه شافعي المعتقد، فأشاع أتباعه أنه انتصر، فغضب خصومه ورفعوا واحدًا من أتباع ابن تيمية إلى الجلال القزويني نائب الحكم بالعادلية فعزره، وكذا فعل الحنفي باثنين منهم.
ثم في ثاني عشري رجب قرأ المِزيُّ فصلًا من كتاب أفعال العباد للبخاري في الجامع فسمعه بعض الشافعية فغضبوا وقالوا نحن المقصودون بهذا ورفعوه إلى القاضي الشافعي فأمر بحبسه، فبلغ ابن تيمية فتوجه إلى الحبس فأخرجه بيده، فبلغ القاضي فطلع إلى القلعة فوافاه ابن تيمية فتشاجرا بحضرة النائب واشتط ابن تيمية على القاضي لكون نائبه جلال الدين ءاذى أصحابه في غيبة النائب، فأمر النائب من ينادي أن من تكلّم في العقائد فُعِل كذا به وقصد بذلك تسكين الفتنة، ثم عقد لهم مجلس في سلخ رجب، وجرى فيه بين ابن الزملكاني وابن الوكيل مباحثة فقال ابن الزملكاني لابن الوكيل: ما جرى على الشافعية قليل حتى تكون أنت رئيسهم، فظن القاضي نجم الدين بن صصرى أنه عناه فعزل نفسه وقام، فأعاده الأمراء وولاه النائب وحكم الحنفي بصحة الولاية ونفّذها المالكي، فرجع إلى منزله وعلم أن الولاية لم تصحّ، فصمّم على العزل فرسم النائب لنوّابه بالمباشرة إلى أن يرد أمر السلطان.
ثم وصل بريدي في أواخر شعبان بعوده، ثم وصل بريدي في خامس رمضان بطلب القاضي والشيخ وأن يرسلوا بصورة ما جرى للشيخ في سنة 698، ثم وصل مملوك النائب وأخبر أن الجاشنكير والقاضي المالكي قد قاما في الإنكار على الشيخ وأن الأمر اشتدّ بمصر على الحنابلة حتى صفع بعضهم. ثم توجه القاضي والشيخ إلى القاهرة ومعهما جماعة فوصلا في العشر الأخير من رمضان وعقد مجلس في ثالث عشر منه بعد صلاة الجمعة، فادعى على ابن تيمية عند المالكي، فقال هذا عدوي ولم يجب عن الدعوى فكرّر عليه فأصرّ، فحكم المالكي بحبسه فأُقيم من المجلس وحبس في برج، ثم بلغ المالكي أن الناس يترددون إليه فقال: يجب التضييق عليه إن لم يقتل وإلا فقد ثبت كفره، فنقلوه ليلة عيد الفطر إلى الجبّ، وعاد القاضي الشافعي إلى ولايته ونُودِيَ بدمشق من اعتقد عقيدة ابن تيمية حلّ دمه وماله خصوصًا الحنابلة، فنُودي بذلك وقُرىء المرسوم وقرأها ابن الشهاب محمود في الجامع. ثم جمعوا الحنابلة من الصالحية وغيرها وأشهدوا على أنفسهم أنهم على معتقد الإمام الشافعي.
وذكر ولد الشيخ جمال الدين بن الظاهري في كتاب كتَبَهُ لبعض معارفه بدمشق أن جميع من بمصر من القضاة والشيوخ والفقهاء والعلماء والعوام يحطون على ابن تيمية إلاّ الحنفي فإنه يتعصّب له وإلا الشافعي فإنه ساكت عنه، وكان من أعظم القائمين عليه الشيخ نصر المنبجي لأنه كان بلغ ابن تيمية أنه يتعصّب لابن العربي فكتب إليه كتابًا يعاتبه على ذلك، فما أعجبه لكونه بالغ في الحطّ على ابن العربي وتكفيره فصار هو يحطّ على ابن تيمية ويغري به بيبرس الجاشنكير، وكان بيبرس يفرط في محبة نصر ويعظمه، وقام القاضي زين الدين بن مخلوف قاضي المالكية مع الشيخ نصر وبالغ في أذية الحنابلة، واتّفق أن قاضي الحنابلة شرف الدين الحرّاني كان قليل البضاعة في العلم فبادر إلى إجابتهم في المعتقد واستكتبوه خطه بذلك، واتفق أن قاضي الحنفية بدمشق وهو شمس الدين بن الحريري انتصر لابن تيمية وكتب في حقّه محضرًا بالثناء عليه بالعلم والفهم، وكتب فيه بخطه ثلاثة عشر سطرًا من جملتها أنه منذ ثلاثمائة سنة ما رأى الناس مثله فبلغ ذلك ابن مخلوف فسعى في عزل ابن الحريري فعزل وقرّر عوضه شمس الدين الأذرعي، ثم لم يلبث الأذرعي أن عزل في السنة المقبلة. وتعصب سلار لابن تيمية وأحضر القضاة الثلاثة الشافعي والمالكي والحنفي وتكلم معهم في إخراجه فاتفقوا على أنهم يشترطون فيه شروطًا وأن يرجع عن بعض العقيدة فأرسلوا إليه مرّات فامتنع من الحضور إليهم واستمر، ولم يزل ابن تيمية في الجبّ إلى أن شفع فيه مهنا أمير ءال فضل، فأخرج في ربيع الأول في الثالث وعشرين منه وأحضر إلى القلعة ووقع البحث مع بعض الفقهاء فكتب عليه محضر بأنه قال أنا أشعري. ثم وجد بخطه ما نصه: الذي اعتقد أن القرءان معنى قائم بذات الله وهو صفة من صفات ذاته القديمة وهو غير مخلوق وليس بحرف ولا صوت، وأن قوله: { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى {5}} [سورة طه] ليس على ظاهره ولا أعلم كنه المراد به بل لا يعلمه إلا الله، والقول في النزول كالقول في الاستواء. وكتبه أحمد بن تيمية. ثم أشهدوا عليه أنه تاب مما ينافي ذلك مختارًا وذلك في خامس عشري ربيع الأوّل سنة ،707 وشهد عليه بذلك جمع جمّ من العلماء وغيرهم وسكن الحال وأفرج عنه وسكن القاهرة.
ثم اجتمع جمع من الصوفيّة عند تاج الدين بن عطاء فطلعوا في العشر الأوسط من شوال إلى القلعة وشكوا من ابن تيمية أنه يتكلم في حقّ مشايخ الطريق وأنه قال لا يُستغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم، فاقتضى الحال أن أمر بتسييره إلى الشام فتوجه على خيل البريديّ، وكل ذلك والقاضي زين الدين بن مخلوف مشتغل بنفسه بالمرض وقد أشرف على الموت، وبلغه سفر ابن تيمية فراسل النائب فردّه من بلبيس وادعى عليه عند ابن جماعة وشهد عليه شرف الدين بن الصابوني، وقيل إن علاء الدين القونوي أيضًا شهد عليه فاعتقل بسجن بحارة الديلم في ثامن عشر شوال إلى سلخ صفر سنة 709، فنقل عنه أن جماعة يترددون إليه وأنه يتكلم عليهم في نحو ما تقدم، فأمر بنقله إلى الإسكندرية فنقل إليها في سلخ صفر وكان سفره صحبة أمير مقدم، ولم يمكن أحد من جهته من السفر معه وحبس ببرج شرقي. ثم توجه إليه بعض أصحابه فلم يمنعوا منه فتوجهت طائفة منهم بعد طائفة، وكان موضعه فسيحًا فصار الناس يدخلون إليه ويقرءون عليه ويبحثون معه قرأت ذلك في تاريخ البرزالي، فلم يزل إلى أن عاد الناصر إلى السلطنة فشفع فيه عنده، فأمر بإحضاره فاجتمع به في ثامن عشر شوال سنة تسع فأكرمه وجمع القضاة وأصلح بينه وبين القاضي المالكي، فاشترط المالكي أن لا يعود، فقال له السلطان قد تاب، وسكن القاهرة وتردد الناس إليه، إلى أن توجه صحبة الناصر إلى الشام بنية الغزاة في سنة 712 وذلك في شوال فوصل دمشق في مستهل ذي القعدة، فكانت مدة غيبته عنها أكثر من سبع سنين وتلقّاه جمع عظيم فرحًا بمقدمه، وكانت والدته إذ ذاك في قيد الحياة.
ثم قاموا عليه في شهر رمضان سنة 719 بسبب مسألة الطلاق وأكد عليه المنع من الفتيا، ثم عقد له مجلس ءاخر في رجب سنة عشرين، ثم حبس بالقلعة ثم أُخرج في عاشوراء سنة 721.
ثم قاموا عليه مرة أخرى في شعبان سنة 726 بسبب مسألة الزيارة واعتقل بالقلعة فلم يزل بها إلى أن مات في ليلة الاثنين والعشرين من ذي القعدة سنة 728″، انتهى كلام ابن حجر.
ثم قال: “وكان يتكلم على المنبر على طريقة المفسّرين مع الفقه والحديث فيورد في ساعة من الكتاب والسُّنّة واللُّغة والنظر ما لا يقدر أحد على أن يورده في عدة مجالس كأنّ هذه العلوم بين عينيه فيأخذ منها ما يشاء ويذر، ومن ثَمّ نسب أصحابه إلى الغلو فيه واقتضى له ذلك العجب بنفسه حتى زها على أبناء جنسه واستشعر أنه مجتهد فصار يرد على صغير العلماء وكبيرهم قويّهم وحديثهم حتى انتهى إلى عمر فخطّأه في شىء، فبلغ الشيخ إبراهيم الرَّقي فأنكر عليه فذهب إليه واعتذر واستغفر، وقال في حق عليّ أخطأ في سبعة عشر شيئًا خالف فيها نص الكتاب منها اعتداد المتوفى عنها زوجها أطول الأجلين. وكان لتعصبه لمذهب الحنابلة يقع في الأشاعرة حتى إنه سبّ الغزالي فقام عليه قوم كادوا يقتلونه.
ولما قدم غازان بجيوش التتر إلى الشام خرج إليه وكلّمه بكلام قوي، فهمّ بقتله ثم نجا، واشتهر أمره من يومئذ. واتفق أن الشيخ نصرًا المنبجي كان قد تقدّم في الدولة لاعتقاد بيبرس الجاشنكير فيه، فبلغه أن ابن تيمية يقع في ابن العربي لأنه كان يعتقد أنه مستقيم وأن الذي ينسب إليه من الاتحاد أو الإلحاد من قصور فهم من ينكر عليه، فأرسل ينكر عليه وكتب إليه كتابًا طويلاً ونسبه وأصحابه إلى الاتحاد الذي هو حقيقة الإلحاد، فعظم ذلك عليهم وأعانه عليه قوم ءاخرون ضبطوا عليه كلمات في العقائد مغيرة وقعت منه في مواعظه وفتاويه، فذكروا أنه ذكر حديث النزول فنزل عن المنبر درجتين فقال كنزولي هذا فنسب إلى التجسيم، وردّه على من توسّل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو استغاث، فأشخص من دمشق في رمضان سنة خمس وسبعمائة فجرى عليه ما جرى وحبس مرارًا فأقام على ذلك نحو أربع سنين أو أكثر وهو مع ذلك يشتغل ويفتي، إلى أن اتّفق أن الشيخ نصرًا قام على الشيخ كريم الدين الآملي شيخ خانقاه سعيد السعداء فأخرجه من الخانقاه، وعلى شمس الدين الجزري فأخرجه من تدريس الشريفيّة، فيقال إن الآملي دخل الخلوة بمصر أربعين يومًا فلم يخرج حتى زالت دولة بيبرس وخمل ذكر نصر وأطلق ابن تيمية إلى الشام. وافترق الناس فيه شيعًا فمنهم من نسبه إلى التجسيم لما ذكر في العقيدة الحموية والواسطية وغيرهما من ذلك كقوله إن اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقيّة لله وإنه مستوٍ على العرش بذاته، فقيل له: يلزم من ذلك التحيّز والانقسام، فقال: أنا لا أسلّم أن التحيز والانقسام من خواص الأجسام، فألزم بأنه يقول بتحيّز في ذات الله. ومنهم من ينسبه إلى الزندقة لقوله إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يُستغاث به وأن في ذلك تنقيصًا ومنعًا من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أشد الناس عليه في ذلك النور البكري فإنه لما عقد له المجلس بسبب ذلك قال بعض الحاضرين يعزر، فقال البكري: لا معنى لهذا القول فإنه إن كان تنقيصًا يقتل وإن لم يكن تنقيصًا لا يعزر. ومنهم من ينسبه إلى النفاق لقوله في عليّ ما تقدّم ولقوله: إنه كان مخذولاً حيثما توجه، وإنه حاول الخلافة مرارًا فلم ينلها وإنما قاتل للرياسة لا للديانة، ولقوله: إنه كان يحب الرياسة، وإن عثمان كان يحب المال، ولقوله: أبو بكر أسلم شيخًا لا يدري ما يقول وعليّ أسلم صبيّا والصبي لا يصح إسلامه على قول”. انتهى كلام ابن حجر.
قال ابن الوردي في تاريخه ما نصه: “وفيها أي سنة ثمان عشرة وسبعمائة في جمادى الآخرة، ورد مرسوم السلطان بمنع الشيخ تقي الدين بن تيمية من الفتوى في مسألة الحلف بالطلاق، وعقد لذلك مجلس ونودي به في البلد. قلت: وبعد هذا المنع والنداء، أحضر إليَّ رجل فتوى من مضمونها أنه طلق الرجل امرأته ثلاثًا جملة بكلمة أو بكلمات في طهر أو أطهار قبل أن يرتجعها أو تقضي العدة، فهذا فيه قولان للعلماء أظهرهما أنه لا يلزمه إلا طلقة واحدة ولو طلقها الطلقة بعد أن يرتجعها أو يتزوجها بعقد جديد وكان الطلاق مباحًا فإنه يلزمه، وكذلك الطلقة الثالثة إذا كانت بعد رجعة أو عقد جديد وهي مباحة فإنها تلزمه، ولا تحل له بعد ذلك إلا بنكاح شرعي لا بنكاح تحليل والله أعلم. وقد كتب الشيخ بخطه تحت ذلك ما صورته: هذا منقول من كلامي، كتبه أحمد بن تيمية. وله في الطلاق رخص غير هذا أيضًا، لا يلتفت العلماء إليها ولا يعرجون عليها” اهـ.
ثم قال: “وفيها _ أي في سنة ست وعشرين وسبعمائة _ في شعبان اعتقل الشيخ تقي الدين بن تيمية بقلعة دمشق مكرمًا راكبًا، وفي خدمته مشد الأوقاف والحاجب ابن الخطيري، وأخليت له قاعة ورتّب له ما يقوم بكفايته، ورسم السلطان بمنعه من الفتيا، وسبب ذلك فتيا وجدت بخطه في المنع من السفر ومن إعمال المطي إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وحبس جماعة من أصحابه وعزر جماعة، ثم أطلقوا سوى شمس الدين محمد بن أبي بكر إمام الجوزية فإنه حبس بالقلعة أيضًا” ا.هـ.
قال صلاح الدين الصفدي تلميذ ابن تيمية والتقي السبكي كما تقدم في كتابه أعيان العصر وأعوان النصر: “وكان في ربيع الأول سنة ثمان وتسعين وستمائة قد قام عليه جماعة من الشافعية وأنكروا عليه كلامًا في الصفات، وأخذوا فتياه الحموية وردوا عليه فيها، وعملوا له مجلسًا فدافع الأفرم عنه ولم يُبلغهم فيه اربًا، ونودي في دمشق بإبطال العقيدة الحموية، فانتصر له جاغان المشد وكان قد منع من الكلام.
ثم إنه جلس على عادته يوم الجمعة وتكلّم، ثم حضر عنده قاضي القضاة إمام الدين وأخوه وبحثوا معه وطال الأمر بينهم ثم رجع القاضي إمام الدين وأخوه جلال الدين وقالا: من قال عن الشيخ تقي الدين شيئًا عزرناه.
ثم إنه طلب إلى مصر هو والقاضي نجم الدين بن صَصْرى وتوجها إلى مصر في ثاني عشر شهر رمضان سنة خمس وسبعمائة فانتصر له الأمير سيف الدين سلَّار وحط الجاشنكير عليه وعقدوا له مجلسًا انفصل على حبسه فحبس في خزانة البنود، ثم نقل إلى الإسكندرية في صفر سنة تسع وسبعمائة ولم يمكّن أحد من أصحابه من التوجه معه، ثم أفرج عنه وأقام بالقاهرة مدة ثم اعتقل أيضًا ثم أفرج عنه في ثامن شوال سنة تسع وسبعمائة أخرجه الناصر لمَّا ورد من الكرك، وحضر إلى دمشق فلما كان في يوم الثلاثاء تاسع عشر شهر رمضان سنة تسع عشرة وسبعمائة جمع الفقهاء والقضاة عند الأمير سيف الدين تنكر وقرىء عليهم كتاب السلطان وفيه فصل يتعلق بالشيخ تقي الدين بسبب فتياه في مسئلة الطلاق وعُوتب على فتياه بعد المنع، وانفصل المجلس على تأكيد المنع. ثم إنه في يوم الخميس ثاني عشري شهر رجب الفرد سنة عشرين وسبعمائة عقد له مجلس بدار السعادة وعاودوه في فتيا الطلاق عليها وعاتبوه لأجلها. ثم إنه حبس بقلعة دمشق وأقام بها إلى يوم الاثنين يوم عاشوراء سنة إحدى وعشرين وسبعمائة فأخرج من القلعة بعد العصر بمرسوم السلطان وتوجه إلى منزله، وكانت مدة سجنه خمسة أشهر وثمانية عشر يومًا، ولما كان في يوم الاثنين بعد العصر سادس شعبان سنة ست وعشرين وسبعمائة في أيام قاضي القضاة جلال الدين القزويني تكلموا معه في مسئلة الزيارة وكتب في ذلك إلى مصر، فورد مرسوم السلطان باعتقاله في القلعة فلم يزل بها إلى أن مات في ليلة الاثنين عشري ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة بقلعة دمشق في القاعة التي كان بها محبوسًا. ومولده بحرّان سنة إحدى وستين وستمائة، وأوّل ما اجتمعتُ أنا به كان في سنة ثمان عشرة أو سبع عشرة وهو بمدرسته في القصاعين بدمشق المحروسة وسألته مسألة مشكلة في التفسير ومسألة مشكلة في الإعراب ومسألة مشكلة في الممكن والواجب وقد ذكرت ذلك في ترجمته في تاريخي الكبير. ثم اجتمعت به بعد ذلك مرات وحضرت دروسه في الحنبلية، فكنت أرى منه عجبًا من عجائب البر والبحر ونوعًا فردًا وشكلاً غريبًا”. ا.هـ.
قال تقي الدين الحصني في كتابه دفع شبه من شبّه وتمرّد بعد ذكره مرسوم الملك ابن قلاوون _ وسيأتي فيما بعد _ في ابن تيمية ما نصّه:
“وأزيد على ذلك ما ذكره صاحب عيون التواريخ وهو ابن شاكر ويُعرف بصلاح الدين الكتبي وبالتريكي وكان من أتباع ابن تيمية وضرب الضرب البليغ لكونه قال لمؤذن في مئذنة العروس وقت السحر أشركت حين قال:
ألا يا رسول الله أنت وسيلتي
إلى الله في غفران ذنبي وزلتي
وأرادوا ضرب عنقه ثم جددوا إسلامه، وإنما أَذكر ما قاله لأنه أبلغ في حق ابن تيمية في إقامة الحجة عليه مع أنه أهمل أشياء من خبثه ولؤمه لما فيها من المبالغة في إهانة قدوته والعجب أن ابن تيمية ذكرها وهو ساكت عنها” اهـ
فمن ذلك ما أخبر به أبو الحسن علي الدمشقي في صحن الجامع الأموي عن أبيه قال: كنا جلوسًا في مجلس ابن تيمية فذكر ووعظ وتعرض لآيات الاستواء ثم قال: “واستوى الله على عرشه كاستوائي هذا” قال: فوثب الناس عليه وثبة واحدة وأنزلوه من الكرسي وبادروا إليه ضربًا باللكم والنعال وغير ذلك حتى أوصلوه إلى بعض الحكام، واجتمع في ذلك المجلس العلماء فشرع يناظرهم فقالوا: ما الدليل على ما صدر منك، فقال: قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [سورة طه/5] فضحكوا منه وعرفوا أنه جاهل لا يجري على قواعد العلم ثم نقلوه ليتحققوا أمره فقالوا: ما تقول في قوله تعالى {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} [سورة البقرة/115] فأجاب بأجوبة تحققوا أنه من الجهلة على التحقيق وأنه لا يدري ما يقول وكان قد غره بنفسه ثناء العوام عليه وكذا الجامدون من الفقهاء العارون عن العلوم التي بها يجتمع شمل الأدلة على الوجه المرضي. وقد رأيت في فتاويه ما يتعلق بمسألة الاستواء وقد أطنب فيها وذكر أمورًا كلها تلبيسات وتجريات خارجة عن قواعد أهل الحق والناظر فيها إذا لم يكن ذا علوم وفطنة وحسن روية ظن أنها على منوال مرضي، ومن جملة ذلك بعد تقريره وتطويله: “إن الله معنا حقيقة وهو فوق العرش حقيقة كما جمع الله بينهما في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سورة الحديد/4] فأخبر أنه فوق العرش يعلم كل شىء وهو معنا أينما كنا” هذه عبارته بحروفها” اهـ.
ثم قال الحصني ما نصه :”ولنرجع إلى ما ذكره ابن شاكر الكتبي في تاريخه في الجزء العشرين قال: “وفي سنة خمس وسبعمائة في ثامن رجب عقد مجلس بالقضاة والفقهاء بحضرة نائب السلطنة بالقصر الأبلق، فسئل ابن تيمية عن عقيدته فأملى شيئًا منها ثم أحضرت عقيدته الواسطية وقرئت في المجلس ووقعت بحوث كثيرة وبقيت مواضع أخّرت إلى مجلس ثانٍ، ثم اجتمعوا يوم الجمعة ثاني عشر رجب وحضر المجلس صفي الدين الهندي وبحثوا، ثم اتفقوا على أن كمال الدين بن الزملكاني يحاقق ابن تيمية ورضوا كلهم بذلك فأَفحم كمالُ الدين ابنَ تيمية، وخاف ابن تيمية على نفسه فأشهد على نفسه الحاضرين أنه شافعي المذهب ويعتقد ما يعتقده الإمام الشافعي، فرضوا منه بذلك وانصرفوا.
ثم إن أصحاب ابن تيمية أظهروا أن الحقّ ظهر مع شيخهم وأن الحق معه، فأُحضروا إلى مجلس القاضي جلال الدين القزويني وأحضروا ابن تيمية وصفع ورسم بتعزيره فشفع فيه، وكذلك فعل الحنفي باثنين من أصحاب ابن تيمية. ثم قال: ولما كان سلخ رجب جمعوا القضاة والفقهاء وعقد مجلس بالميدان أيضًا وحضر نائب السلطنة أيضًا وتباحثوا في أمر العقيدة وسلك معهم المسلك الأول، فلما كان بعد أيام ورد مرسوم السلطان صحبة بريدي من الديار المصرية بطلب قاضي القضاة نجم الدين بن صَصرى وبابن تيمية، وفي الكتاب: “تعرفون ما وقع في سنة ثمان وتسعين في عقيدة ابن تيمية” فطلبوا الناس وسألوهم عما جرى لابن تيمية في أيام نقل عنه فيها كلام قاله، وأحضروا للقاضي جلال الدين القزويني العقيدة التي كانت أحضرت في زمن قاضي القضاة إمام الدين، وتحدّثوا مع ملك الأمراء في أن يكاتب في هذا الأمر فأجاب، فلما كان ثاني يوم وصل مملوك ملك الأمراء على البريد من مصر وأخبر أن الطلب على ابن تيمية كثير وأن القاضي المالكي قائم في قضيته قيامًا عظيمًا، وأخبر بأشياء كثيرة من الحنابلة وقعت في الديار المصرية وأن بعضهم صفع، فلما سمع ملك الأمراء بذلك انحلّت عزائمه عن المكاتبة وسيّر شمس الدين بن محمد المهمندار إلى ابن تيمية وقال له قد رسم مولانا ملك الأمراء بأن تسافر غدًا، وكذلك راح إلى قاضي القضاة فشرعوا في التجهيز، وسافر بصحبة ابن تيمية أخواه عبد الله وعبد الرحمن وسافر معهم جماعة من أصحاب ابن تيمية.
وفي سابع شوال وصل البريدي إلى دمشق وأخبر بوصولهم إلى الديار المصرية وأنه عقد لهم مجلس بقلعة القاهرة بحضرة القضاة والفقهاء والعلماء والأمراء، فتكلّم الشيخ شمس الدين بن عدنان الشافعي وادعى على ابن تيمية في أمر العقيدة فذكر منها فصولاً، فشرع ابن تيمية فحمد الله تعالى وأثنى عليه وتكلم بما يقتضي الوعظ، فقيل له: يا شيخ إن الذي تقوله نحن نعرفه وما لنا حاجة إلى وعظك، وقد ادعي عليك بدعوى شرعية فأجبْ، فأراد ابن تيمية أن يعيد التحميد فلم يمكّنوه من ذلك بل قيل له أجبْ، فتوقف، وكرّر عليه القول مرارًا فلم يزدهم على ذلك شيئًا، وطال الأمر، فعند ذلك حكم القاضي المالكي بحبسه وحبس أخويه معه فحبسوه في برج من أبراج القلعة، فتردّد إليه جماعة من الأمراء فسمع القاضي بذلك فاجتمع بالأمراء وقال: يجب عليه التضييق إذا لم يقتل وإلا فقد وجب قتله وثبت كفره، فنقلوه إلى الجب بقلعة الجبل ونقلوا أخويه معه بإهانة.
وفي سادس عشر ذي القعدة وصل من الديار المصرية قاضي القضاة نجم الدين بن صَصرى وجلس يوم الجمعة في الشباك الكمالي وحضر القرّاء والمنشدون وأنشدت التهاني، وكان وصل معه كتب ولم يعرضها على نائب السلطنة، فلما كان بعد أيّامٍ عرضها عليه فرسم ملك الأمراء بقراءتها والعمل بما فيها امتثالا للمراسيم السلطانية، وكانوا قد بيّتوا على الحنابلة كلهم بأن يحضروا إلى مقصورة الخطابة بالجامع الأموي بعد الصلاة، وحضر القضاة كلهم بالمقصورة وحضر معهم الأمير الكبير ركن الدين بيبرس العلائي، وأحضروا تقليد القضاة نجم الدين بن صَصرى الذي حضر معه من مصر باستمراره على قضاء القضاة وقضاء العسكر ونظر الأوقاف وزيادة المعلوم، وقرىء عقيبه الكتاب الذي وصل على يديه، وفيه ما يتعلق بمخالفة ابن تيمية في عقيدته وإلزام الناس بذلك خصوصًا الحنابلة والوعيد الشديد عليهم والعزل من المناصب والحبس وأخذ المال والروح لخروجهم بهذه العقيدة عن الملّة المحمديّة، ونسخة الكتاب نحو الكتاب المتقدّم، وتولى قراءته شمس الدين محمد بن شهاب الدين الموقع وبلغ عنه الناس ابن صبيح المؤذن، وقرىء بعده تقليد الشيخ برهان الدين بالخطابة وأحضروا بعد القراءة الحنابلة مهانين بين يدي القاضي جمال الدين المالكي بحضور باقي القضاة، واعترفوا أنهم يعتقدون ما يعتقده محمّد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه.
وفي سابع شهر صفر سنة ثمان عشرة ورد مرسوم السلطان بالمنع من الفتوى في مسألة الطلاق الذي يفتي بها ابن تيمية وأمر بعقد مجلس له بدار السعادة وحضر القضاة وجماعة من الفقهاء، وحضر ابن تيمية وسألوه عن فتاويه في مسألة الطلاق وكونهم نهوه وما انتهى ولا قبل مرسوم السلطان ولا حُكم الحكَّام بمنعه، فأنكر، فحضر خمسة نفر فذكروا عنه أنه أفتاهم بعد ذلك، فأنكر وصمّم على الإنكار، فحضر ابن طليش وشهود شهدوا أنه أفتى لحّامًا اسمه قمر مسلماني في بستان ابن منجا فقيل لابن تيمية اكتب بخطك أنك لا تفتي بها ولا بغيرها، فكتب بخطه أنه لا يفتي بها وما كتب بغيرها، فقال القاضي نجم الدين بن صَصرى: حكمت بحبسك واعتقالك، فقال له: حكمك باطل لأنك عدوي فلم يقبل منه وأخذوه واعتقلوه في قلعة دمشق. وفي سنة إحدى وعشرين وسبعمائة يوم عاشوراء أفرج عن ابن تيمية من حبسه بقلعة دمشق وكانت مدة اعتقاله خمسة أشهر ونصف” انتهى كلام الحصني.
قال ابن شاكر الكتبي: “وفي سادس شعبان قدم البريدي من الديار المصرية وعلى يده مرسوم سلطاني باعتقال الشيخ الإمام العلَّامة تقي الدين بن تيمية، فحضر ناصر الدين مشد الأوقاف والأمير بدر الدين بن الخطيب الحاجب إلى عند الشيخ تقي الدين وأخبروه بصورة الحال، فقال في هذا خير كثير، وأحضروا له مركوبًا، فركب معهم إلى قلعة دمشق فأُخليت له دار يُجرى إليها الماء وكان من جملة المرسوم أن يكون معه ولد أو أخ أو خادم يخدمه وأن تُجرى عليهم كفايتهم، فاختار أخوه زين الدين عبد الرحمن المقام معه لخدمته. وكان السبب في ذلك أنه أفتى فتيا وذكر فيها: لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد _ الحديث المشهور _، وأَن زيارة قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا تشدّ إليها الرحال كقبر إبراهيم الخليل وقبر محمّد النبي صلى الله عليه وسلم، واتّفق أن شمس الدين بن قيّم الجوزية سافر إلى القدس الشريف ورقي في الحرم على منبر وعظٍ، وفي أثناء وعظه ذكر هذه المسئلة وقال: ها أنا من ههنا أَرجع ولا أزور الخليل، وجاء إلى نابلس وعمل له مجلس وعظٍ وذَكر المسئلة بعينها حتى إنه قال: ولا يُزار قبر النبي صلى الله عليه وسلم إلا مسجده، فقاموا عليه الناس فحماه منهم والي البلد وكتبوا أهل القدس ونابلس إلى دمشق بصورة ما وقع من المذكور وما صدر منه، فطلبه القاضي المالكي فتودّد وصعد إلى الصالحية إلى قاضي القضاة شمس الدين بن مسلم، وتاب وأسلم على يده فقبل توبته وحكم بإسلامه وحقن دمه، ولم يعزره لأجل الشيخ تقي الدين بن تيمية، فحينئذٍ قامت الفقهاء الشافعية والمالكية وكتبوا فتيا في الشيخ تقي الدين بن تيمية لكونه أوّل من تكلّم في هذه المسئلة فكتب عليها الشيخ برهان الدين ابن الشيخ تاج الدين نحو أربعين سطرًا بأشياء كثيرة يقولها ويفتي بها، وءاخر القول أفتي بتكفيره، ووافقه شهاب الدين بن جَهبل الشافعي وكتب تحت خطه كذلك الصدر المالكي وغيرهم، وحملت الفتيا إلى نائب السلطنة فأراد أن يعقد لهم مجلسًا ويجمع الفقهاء والعلماء فرأى أن الأمر يتسع الكلام فيه، ولا بدّ من إعلام السلطان فأخذ الفتيا وجعلها في المطالعة وسيّرها إلى السلطان فجمع لها القضاة ولم يحضر المالكي فإنه كان مريضًا، فلما قرئت عليهم أخذها قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة فقال: القائل بهذه المقالة ضالّ مضلّ مبتدع ووافقه الحنفي والحنبلي، فقال السلطان لقاضي القضاة بدر الدين: ما ترى في أمره، فقال: يُحبس، وقال السلطان وكذا كان في نفسي أن أفعل به، وكتب الكتاب إلى دمشق بما يعتمده نائب السلطنة وقرءوه على السدة قرأه بدر الدين بن الأعزازي الموقع وبلّغه ابن النجيبي المؤذن، ومضمونه بعد البسملة أدام الله نعمته نوضح لعلمه الكريم وزود مكانته التي جهزها بسبب ابن تيمية فوقفنا عليها وعلمنا مضمونها من أمر المذكور وإقدامه على الفتوى بعد تكرار المراسيم الشريفة بمنعه حسب ما حكم به القضاة وأكابر العلماء، وعقدنا لهذا السبب مجلسًا بين أيدينا ورسمنا بقراءة الفتيا على القضاة والعلماء فذكروا جميعًا أنّ الذي أفتى به ابن تيمية في ذلك خطأٌ ومردودٌ عليه، وحكموا بزجره وحبسه وطول سجنه ومنعه من الفتيا مطلقًا، وكتبوا خطوطهم بذلك بين أيدينا على ظاهر الفتيا المجهز بنسخة ما كتبه ابن تيمية، وقد جهزناه إلى الجناب العالي طي هذه المكاتبة ليقف على ما كتب فيه القضاة الأربعة ويتقدم باعتقال المذكور في قلعة دمشق المحروسة، ومنعه من الفتيا مطلقًا، ومنع الناس من الاجتماع به والتردد إليه ويُرتب له كل يوم ما يقوم بكفايته وينزل عنده من يختار لخدمته مثل قرابة ولد أو أخ أو من يجري مجراهم فيحيط علمه بهذا الأمر ويكون اعتماده بحسب ما حكم به الأئمة العلماء في السجن المذكور وطول حبسه، فإنه كل وقت يحدث للناس شيئًا منكرًا يشغل خواطرهم به ومنع ذلك وسد الذريعة منه أولى فليكن عمله على هذا الحكم ويتقدم أمره فيه، وإذا اعتمد الجناب العالي هذا الاعتماد الذي رسمنا به في أمر ابن تيمية فيتقدم بمنع من يسلك مسالكه ويفتي بهذه الفتاوي ويعمل بها في أمر الطلاق أو هذه الفتيا المستجدة. وإذا اطلع على أحد عمل بذلك أو أفتى به فيعتبر حاله، فإن كان من مشايخ العلماء فيُعزر تعزيرَ مثله وإن كان من الشباب المنتسبين الذين يقصدون الظهور أيضًا كما يقصده ابن تيمية فيؤدبهم ويردعهم ويعتمد في أموره ما تحسم به مواد أمثالهم ليستقيم أحوال الناس ويمشي على السداد، ولا يعود أحد يتجاسر على الإفتاء بما يخالف الإجماع ويبتدع في دين الله تعالى من أنواع الاقتراح ما لم يسبقه إليه أحد، فالجناب العالي يراعي هذه الأمور التي عرفناها فإن بها تسد الذرائع فيها أولى من الرخصة فيه. وقد عجلنا لهذا الجواب وبقية فصوله مكاتبته الواردة صحبته تصل بعد هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، وكتب في سابع عشري رجب الفرد سنة ست وعشرين وسبعمائة. صورة المنقول بخط القضاة الأربعة بالقاهرة المحروسة على ظهر الفتيا:
الحمد لله، هذا المنقول باطنها جواب عن السؤال من قوله إن زيارة قبور الأنبياء والصالحين بدعة، وما ذكره من نحو ذلك وإنه لا يرخص في السفر لزيارة الأنبياء فهو باطل مردود عليه، وقد نقل جماعة من العلماء الكبار أن زيارة النبي صلى الله عليه وسلم فضيلة وسنة مجمع عليها، وهذا المفتي المذكور ينبغي أن يزجر عن مثل هذه المقالة والفتاوي الغريبة ويُحبس إذا لم يمتنع من ذلك، ويشهر أمره ليتحفظ الناس عن الاقتداء به، كتب محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جَماعة الشافعي وكذلك يقول محمد بن الحريري الأنصاري الحنفي لكن يحبس الآن جزمًا مطلقًا كتب المذكور، كذلك يقول أحمد بن عمر المقدسي الحنبلي، كذلك يقول محمد ابن أبي بكر المالكي إن ثبت عليه ذلك فيبالغ في زجره حسبما تندفع هذه المفسدة وغيرها من المفاسد.
ولمّا كان يوم الجمعة رابع عشري شعبان قعد قاضي القضاة جلال الدين بعد الصلاة بالمدرسة العادلية وأحضر جماعة من جماعة الشيخ تقي الدين بن تيمية كانوا معتقلين في حبس الشرع فادعي على عماد الدين بن كثير صهر المزي أنه قال إن التوراة والإنجيل ما بدّلت وإنها بحالها كما أُنزلت وشهدوا عليه وثبت ذلك في وجهه فعزر بالدّرّة في المجلس وأخرج وطيف به ونودي عليه هذا جزاء من قال إن التوراة والإنجيل ما بُدّلت وبعد ذلك أطلقوه، وأحضر عبد الله الإسكندري وادعي عليه أنه قال عن مؤذني الجامع هؤلاء كفروا وإنهم كفّار بسبب أنهم يقولون في المنارة ألا يا رسول الله أنت وسيلتي وشىء ءاخر من هذا الجنس فذكر أنه اعترف بذلك وغيره عند قاضي القضاة شمس الدين بن مسلم، وأسلم على يده وقبل توبته وحقن دمه وأبقى عليه جهاته وزوجته، فسيّروا إلى الحنبلي يسألونه عن ذلك وأحضر بعد ذلك الصلاح الكتبي الداراني وادعي عليه أنه قال لا فرق بين حجارة طهارة جيرون وحجارة صخرة بيت المقدس فأنكر ذلك فقامت عليه البيّنة، وأحضر ابن قيّم الجوزية الذي عمل الفتنة من أصلها وادعي عليه بما قال في المجلسين اللذين عملهما بالقدس الشريف ونابلس فأنكر ذلك، وكان قد سافر جماعة من أهل دمشق كلهم فقهاء وعدول من جملتهم مُدَرّس الطرخانية وحضروا مجلس نابلس فشهدوا عليه بما قال وثبت ذلك فعزره قاضي القضاة عبد الله الإسكندري على حمار غير مقلوب ومعه صلاح الداراني وشخص ءاخر كان قد أساء الأدب عند دار الحديث وقال: كل من قال عن الشيخ تقي الدين شيئا فهو كذب وأريد أن أضربه بمداتي فشهدوا عليه وضربوهم جميعًا بالدرّة في قفيهم، وبعد ذلك أعيدوا إلى الحبس فلما كان يوم الثلاثاء ءاخر النهار حضروا المالكية وأخذوا ابن قيّم الجوزية إلى حبسهم وأحضروه يوم الأربعاء إلى قاضي القضاة شرف الدين المالكي وادعوا عليه فما كان له جواب إلا أن قال إن قاضي القضاة الحنبلي حكم بحقن دمي وتوبتي، فأُعيد إلى الحبس وتركوه إلى حيث يحضر الحنبلي إلى البلد وسألوه كيف كان الحكم وسُيّر الحنبلي وغيره إلى قاضي القضاة جلال الدين يشفعون في المذكور أن لا يكون الحكم إلا عنده، فأحضره في سابع وعشري الشهر وعزَّروه عنده في العادلية بالدرّة وأُركب حمارًا وطيف به البلد وراحوا به إلى الصالحية، وءاخر النهار ردّوه إلى الحبس وأعلموا نائب السلطنة بما فعلوه فسيّر مشد الأوقاف تسلم المذكور من قاضي القضاة جلال الدين وصعد به إلى القلعة وحبسه بها مقيدًا وأطلقوا الباقي وسكنت الفتنة”. ا.هـ.
بسم الله الرَّحمن الرحيم، الحمد لله الذي تنزَّه عن الشبيه والنظير وتعالى عن المثل فقال عزّ وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [سورة الشورى/11]، أحمده على أن ألهمنا العمل بالسُّنة والكتاب، ورَفَع في أيامنا أسباب الشك والارتياب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من يرجو بإخلاصه حسن العقبى والمصير، وينزّه خالقه عن التحيّز في جهة لقوله تعالى: { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سورة الحديد/4] وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبده ورسوله الذي نهج سبيل النجاة لمن سلك سبيل مرضاته، وأمرَ بالتفكُّر في ءالاء الله ونهى عن التفكُّر في ذاته، صلى الله عليه وعلى ءاله وأصحابه الذين علا بهم منار الإِيمان وارتفع، وشيّد الله بهم من قواعد الدين الحنيف ما شرع، وأخمد بهم كلمة من حاد عن الحق ومال إلى البدع.
وبعد، فإن العقائد الشرعية وقواعد الإِسلام المرعية وأركان الإِيمان العلية ومذاهب الدين المرضية، هي الأساس الذي يبنى عليه [والموئل] الذي يرجع كل أحد إليه، والطريق التي من سلكها فقد فاز فوزًا عظيمًا، ومن حاد عنها فقد استوجب عذابًا أليمًا، فلهذا يجب أن تنفذ أحكامها، ويؤكد دوامها، وتُصان عقائد الملة عن الاختلاف، وتزان قواعد الأئمة بالائتلاف، وتخمد ثوائر البدع، ويفرّق من فِرَقِها ما اجتمع.
وكان ابن تيمية في هذه المدة قد بسط لسان قلمه، ومدَّ [بجهله] عنان كلمه، وتحدَّث في مسائل الذات والصفات، ونصَّ في كلامه [الفاسد] على أمور منكرات، وتكلَّم فيما سكت عنه الصحابة والتابعون، وفاه بما اجتنبه الأئمة الأعلام الصالحون، وأتى في ذلك بما أنكره أئمة الإِسلام، وانعقد على خلافه إجماع العلماء والحكام، وشهر من فتاويه في البلاد ما استخفّ به عقول العوامّ، وخالف في ذلك فقهاء عصره، وعلماء شامه ومصره، وبعث برسائله إلى كل مكان، وسمى فتاويه بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان.
ولما اتصل بنا ذلك وما سلكه المريدون له من هذه المسالك الخبيثة وأظهروه من هذه الأحوال وأشاعوه، وعلمنا أنه استخفَّ قومه فأطاعوه، حتى قيل إنهم صرّحوا في حق الله سبحانه بالحرف والصوت [والتشبيه] والتجسيم، قمنا في الله تعالى مشفقين من هذا النبإ العظيم، وأنكرنا هذه البدعة، وعزّ علينا أن تشيع عمَّن تضمّه ممالكنا هذه السمعة. وكرهنا ما فاه به المبطلون، وتلونا قوله تعالى: {سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [سورة المؤمنون/91]، فإنه [سبحانه وتعالى] تنزَّه في ذاته وصفاته عن العديل والنظير: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [سورة الأنعام/103]، فتقدمت مراسيمنا باستدعاء [ابن تيمية] المذكور إلى أبوابنا العالية عندما سارت فتاويه [الباطلة] في شامنا ومصرنا، وصرَّح فيها بألفاظ ما سمعها ذو لبّ إلاَّ وتلا قوله تعالى: { لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا} [سورة الكهف/74].
ولمَّا وصل إلينا تقدمنا إلى أولي العقد والحل، وذوي التحقيق والنقل، وحضر قضاة الإِسلام، وحكام الأنام، وعلماء الدين، وفقهاء المسلمين، وعقد له مجلس شرعي في ملأ وجمع من الأئمة، [ومن له دراية في مجال النظر ودفع] فثبت عندهم جميع ما نسب إليه، [بقول من يعتمد ويعول عليه]، وبمقتضى خط قلمه الدال على منكَر معتقده، وانفصل ذلك الجمع وهم لعقيدته الخبيثة منكرون، وءاخذوه بما شهد به قلمه تالين: {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [سورة الزخرف/19]، ونقل إلينا أنَّه كان استتيب مرارًا فيما تقدم، وأخره الشرع الشريف لما تعرّض لذلك وأقدم، ثم عاد بعد منعه، ولم تدخل تلك النواهي في سمعه.
وصح ذلك في مجلس الحاكم العزيز المالكي حكم الشرع الشريف أن يسجن هذا المذكور وأن يمنع من التصرف والظهور، ويكتب مرسومنا هذا بأن لا يسلك أحد ما سلكه المذكور من هذه المسالك، وينهى عن [التشبيه في] اعتقاد مثل ذلك، أو يعود له في هذا القول متبعًا، أو لهذه الألفاظ مستمعًا، أو يسري في التشبيه مسراه، أو أن يفوه بجهة العلو بما فاه، أو أن يتحدَّث أحد بحرف أو صوت، أو يفوه بذلك إلى الموت، أو يتفوه بتجسيم، أو ينطق بلفظ في ذلك غير مستقيم، أو خرج عن رأي الأئمَّة، أو ينفرد به عن علماء الأمة، أو يُحيّزَ الله سبحانه وتعالى في جهة أو يتعرَّض إلى حيث وكيف، فليس لمعتقد هذا إلا السيف.
فليقف كل واحد عند هذا الحد، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وليلزم كل من الحنابلة بالرجوع عن هذه العقيدة، والخروج عن الشبهات الزائغة الشديدة، ولزوم ما أمر الله تعالى به من التمسّك بمذاهب أهل الإِيمان الحميدة، فإنَّه من خرج عن أمر الله فقد ضلَّ سواء السبيل، ومثل هذا ليس له إلا التنكيل، والسجن الطويل مستقرّه ومقيله وبئس المقيل.
[وقد رسمنا بأن ينادى في دمشق المحروسة والبلاد الشامية، وتلك الجهات الدانية والقاصية بالنهي الشديد والتخويف والتهديد لمن اتبع ابن تيمية في هذا الأمر الذي أوضحناه، ومن تابعه تركناه في مثل مكانه وأحللناه، ووضعناه من عيون الأمة كما وضعناه] ومن أصرَّ على الامتناع وأبى إلا الدفاع، أمرنا بإسقاطهم من [مدارسهم] ومناصبهم، ووضعهم من مراتبهم مع إهانتهم، وأن لا يكون لهم في بلادنا قضاء ولا حكم ولا ولاية ولا تدريس ولا شهادة ولا إمامة بل ولا مرتبة ولا إقامة، فإنَّا أزلنا دعوة هذا الرجل من البلاد، وأبطلنا هذه العقيدة التي أضلَّ بها كثيرًا من العباد أو كاد [بل كم أضلَّ بها من خلق وعاثوا بها في الأرض الفساد، ولتثبت المحاضر الشرعية على الحنابلة بالرجوع عن ذلك وتسير المحاضر بعد إثباتها على قضاة المالكية]، وقد أعذرنا وحذرنا وأنصفنا حيث أنذرنا، وليقرأ مرسومنا هذا على المنابر، ليكون أبلغ واعظ وزاجر، وأعدل ناه وءامر إن شاء الله تعالى. والحمد لله وحده وصلواته على نبيّنا محمد وءاله وصحبه وسلم. والاعتماد على الخط الشريف أعلاه. وكتب ثامن عشري شهر رمضان سنة خمس وسبعمائة. ا.هـ.
وهذه المراسيم الصادرة في حقه بعد محاكمته أمام جماعة من كبار العلماء في عصره مسجلة في كتب التواريخ مثل: عيون التواريخ، ونجم المهتدي، ودفع شبَهِ من شبّه وتمرد وغيرها.
وذكر الصفدي من مؤلفات ابن تيمية كثيرًا منها: مؤاخذته لابن حزم في الإجماع، ومنها قاعدة في تفضيل الإمام أحمد والقادرية، وكتاب في بقاء الجنة والنار وفنائهما وقد ردّ عليه قاضي القضاة تقي الدين السبكي، وجواز طواف الحائض وكراهية التلفظ بالنية وتحريم الجهر بها، وقتل تارك أحد المباني وكفره، وتحريم السماع، وتحريم الشطرنج، وتحريم الحشيشة ووجوب الحدّ فيها ونجاستها، وكتاب الحلف بالطلاق من الايمان حقيقة، وقاعدة في فضل معاوية وفي ابنه يزيد أنه لا يسبّ، وكشف حال المشايخ الأحمدية وأحوالهم الشيطانية، وشرح حديث النزول، وذكر الصفدي أن له تأليفًا في جواز قتال الرافضة.
ثم قال الصفدي في ءاخر ترجمته: “وعلى الجملة فكان الشيخ تقي الدين بن تيمية أحد الذين عاصرتهم ولم يكن في الزمان مثلهم بل ولا قبل مائة سنة وهم: الشيخ تقي الدين بن تيمية، والشيخ ابن دقيق العيد، وشيخنا العلَّامة تقي الدين السبكي”. وقال الصفدي: “وممن مدحه بمصر أيضًا شيخنا العلَّامة أبو حيان لكنه انحرف عنه فيما بعد ومات وهو على انحرافه، ولذلك أسباب منها أنه قال له يومًا: كذا قال سيبويه، فقال: يكذب سيبويه، فانحرف عنه، وقد كان أوَّلا جاء إليه والمجلس عنده غاصّ بالناس فقال يمدحه ارتجالا:
لمّا أتينا تقيَ الدين لاح لنا داعٍ إلى الله فردٌ ما له وَزَرُ
على مُحَيَّاه من سِيما الأولىصحبوا خيرَ البرية نورٌ دونَهُ القمرُ
حَبْرٌ تَسَرْبَلَ منهُ دهرُهُ حبرًا بحرٌ تقاذفُ من أمواجِهِ الدُّرَرُ
قامَ ابنُ تيميةٍ في نصرِ شِرعَتِنا مقامَ سيد تيم إذ عصت مضَرُ
فأظهر الحق إذ ءاثاره درست وأخمد الشرّ إذ طارت له الشررُ
كنّا نحدثُ عن حَبر يجيءُ فها أنتَ الإمامُ الذي قد كانَ ينتظرُ”
إن هذه الرسالة ثابتة عن الذهبي الذي كان تلميذًا لابن تيمية، ولا عبرة بقول من أنكر ثبوتها بحجة أنها مناقضة لعبارات أخرى وردت في كتب الذهبي في ترجمة ابن تيمية وفيها الثناء الكبير عليه، وبحجة أن النسخة الخطية من هذه الرسالة بخط ابن قاضي شهبة وهو خصم مُلِدٌّ لابن تيمية وشهادة الخصم على خصمه مردودة شرعًا، وأن الحافظ السخاوي شافعي المذهب وله كلام بخس في حق ابن تيمية.
نقول: لا مانع أن يثنى على شخص معين في بادىء الأمر اعتمادًا على تحسين الظن ثم بعدما يتبين له حاله يقدحه ويذمه، وهذا أمر مشاهد ومعروف، ومن أراد فليراجع كتب التواريخ والطبقات.
ومما يؤكد لنا من أن الذهبي أثنى عليه أول الأمر ثم لما انكشف له حاله أرسل له هذه الرسالة على وجه النصيحة كلام الذهبي نفسه في رسالته “بيان زغل العلم والطلب” فقد قال ما نصه: “فوالله ما رمقت عيني أوسع علمًا ولا أقوى ذكاء من رجل يقال له ابن تيمية مع الزهد في المأكل والملبس والنساء، ومع القيام في الحق والجهاد بكل ممكن، وقد تعبت في وزنه وفتشه حتى مللت في سنين متطاولة، فما وجدت أَخَّرَهُ بين أهل مصر والشام ومقتته نفوسهم وازدروا به وكذبوه وكفَّروه إلا الكبر والعجب وفرط الغرام في رياسة المشيخة والازدراء بالكبار، فانظر كيف وبال الدعاوى ومحبة الظهور، نسأل الله المسامحة، فقد قام عليه أناس ليسوا بأورع منه ولا أعلم منه ولا أزهد منه، بل يتجاوزون عن ذنوب أصحابهم وءاثام أصدقائهم، وما سلَّطهم الله عليه بتقواهم وجلالتهم بل بذنوبه، وما دفع الله عنه وعن أتباعه أكثر، وما جرى عليهم إلا بعض ما يستحقّون، فلا تكن في ريب من ذلك”. اهـ.
يقول الحافظ السخاوي في “الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ” ما نصه: “وقد رأيت له _ أي للذهبي _ عقيدة مجيدة ورسالة كتبها لابن تيمية هي لدفع نسبته لمزيد تعصبه مفيدة” اهـ، ثم ساق ما قدمناه.
وقال الذهبي في موضع ءاخر من رسالته “بيان زغل العلم والطلب” ما نصّه: “فإن برعت في الأصول وتوابعها من المنطق والحكمة والفلسفة وءاراء الأوائل ومحارات العقول، واعتصمت مع ذلك بالكتاب والسُّنّة وأصول السلف، ولفقت بين العقل والنقل، فما أظنك في ذلك تبلغ رتبة ابن تيمية ولا والله تقاربها، وقد رأيتَ ما ءال أمره إليه من الحطّ عليه والهجر والتضليل والتكفير والتكذيب بحقّ وبباطل، فقد كان قبل أن يدخل في هذه الصناعة منوَّرًا مضيئًا على مُحَيَّاه سِيْمَا السلف، ثم صار مظلمًا مكسوفًا عليه قتمة عند خلائق من الناس، ودجّالاً أفّاكًا كافرًا عند أعدائه، ومبتدعًا فاضلاً محقّقًا بارعًا عند طوائف من عقلاء الفضلاء”. اهـ.
فتبيّن أن الذهبي ذمّه لأنه خاض بالفلسفة والكلام المذموم أي كلام المبتدعة في العقيدة كالمعتزلة والمشبّهة، وهذا القدح في ابن تيمية من الذهبي يضعف الثناء الذي أثنى عليه في تذكرة الحفّاظ بقوله: “ما رأت عيناي مثله وكأن السُّنّة نصب عينيه”.
ومن جملة ما يقوله الذهبي في حق ابن تيمية ما نقله الحافظ ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنةعنه ونصه: “وأنا _ أي الذهبي _ لا أعتقد فيه عصمة بل أنا مخالف له في مسائل أصلية وفرعية” اهـ.
وكان في جملة المثنين عليه التاج الفزاري المعروف بالفركاح وابنه البرهان والجلال القزويني والكمال الزملكاني ومحمَّد بن الحريري الأنصاري والعلاء القونوي وغيرهم، لكن ثناء هؤلاء غرّ ابن تيمية ولم ينتبه إلى الباعث على ثنائهم، فبدأ يذيع بدعًا بين حين وءاخر، وأهل العلم يتسامحون معه في الأوائل باعتبار أن تلك الكلمات ربما تكون فلتات لا ينطوي هو عليها، لكن خاب ظنهم وعلموا أنه فاتن بالمعنى الصحيح، فتخلَّوا عنه واحدًا إثر واحد على توالي فتنه.
أما الادعاء الثاني وهو أن النسخة الخطية من هذه الرسالة بخط ابن قاضي شهبة وهو خصم مُلِدٌّ لابن تيمية فهو كلام مردود فإن ابن قاضي شهبة لم يفتر على ابن تيمية ولم يلفق له أقوالا إنما طعن فيه لما ثبت له من زيغه وفساد عقيدته، ومن راجع كتب ابن تيمية وجد فيها ذلك.
ثم إن ابن قاضي شهبة لم ينفرد بالطعن بابن تيمية فقد سبقه العديد من العلماء والفقهاء والمحدثين والحفاظ من المذاهب الأربعة المعاصرين له وتبعهم على ذلك خلق كثير، وأمره كما قال الحافظ الفقيه المجتهد تقي الدين السبكي :”وحبس بإجماع العلماء وولاة الأمور”.
أما الادعاء الثالث وهو أن الحافظ السخاوي شافعي المذهب وله كلام بخس في حق ابن تيمية، فلا يستغرب صدور مثل هذا الكلام الساقط ممن يدعو إلى نبذ المذاهب الأربعة، لكن من طمس الله عينيه بالتعصب الأعمى وأعمى قلبه بالجهل فلا هادي له.
وختامًا نذكر أسماء بعض من ناظر ابن تيمية المتوفى سنة 728هـ أو ردّ عليه من المعاصرين له والمتأخرين عنه من شافعية وحنفية ومالكية وحنابلة، ونذكر رسائلهم وكتبهم التي ردُّوا عليه فيها فمنهم:
1ـ القاضي المفسر بدر الدين محمّد بن إبراهيم بن جماعة الشافعي المتوفى سنة 733هـ.
2ـ القاضي محمّد بن الحريري الأنصاري الحنفي.
3ـ القاضي محمّد بن أبي بكر المالكي.
4ـ القاضي أحمد بن عمر المقدسي الحنبلي.
وقد حبس بفتوى موقعة منهم سنة 726هـ، أنظر عيون التواريخ للكتبي، ونجم المهتدي لابن المعلّم القرشي.
5ـ الشيخ صالح بن عبد الله البطائحي شيخ المنيبيع الرفاعي نزيل دمشق المتوفى سنة 707هـ.
أحد من قام على ابن تيمية ورد عليه، أنظر روة الناظرين وخلاصة مناقب الصالحين لأحمد الوتري، وقد ترجمه الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة.
6ـ عصريّه الشيخ كمال الدين محمد بن أبي الحسن علي السراج الرفاعي القرشي الشافعي.
- تفاح الأرواح وفتاح الأرباح.
7ـ قاضي القضاة بالديار المصرية أحمد بن إبراهيم السروجي الحنفي المتوفى سنة هـ.
- اعتراضات على ابن تيمية في علم الكلام.
8ـ الشيخ الفقيه علي بن يعقوب البكري المتوفى سنة 724هـ. قام على ابن تيمية وأنكر عليه ما يقول لما دخل ابن تيمية إلى مصر.
9ـ الحافظ المجتهد تقي الدين السبكي المتوفى سنة 756هـ.
- الاعتبار ببقاء الجنّة والنار.
- الدرة المضية في الرد على ابن تيمية.
- شفاء السقام في زيارة خير الأنام.
- النظر المحقق في الحلف بالطلاق المعلق.
- نقد الاجتماع والافتراق في مسائل الأيمان والطلاق.
- التحقيق في مسألة التعليق.
- رفع الشقاق على مسألة الطلاق.
10ـ ناظره الفقيه المحدث الأصولي المفسر محمّد بن عمر ابن مكي المعروف بابن المرحّل الشافعي المتوفى سنة 716هـ.
11ـ قدح فيه الحافظ أبو سعيد صلاح الدين العلائي المتوفى سنة 761هـ.
- أنظر ذخائر القصر في تراجم نبلاء العصر لابن طولون (ص/32 ـ 33).
- أحاديث زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
12ـ قاضي قضاة المدينة المنورة أبو عبد الله محمد بن مسلَّم ابن مالك الصالحي الحنبلي المتوفى سنة 726هـ.
13ـ معاصره الشيخ أحمد بن يحيى الكلابي الحلبي المعروف بابن جهبل المتوفى سنة 733هـ.
- رسالة في نفي الجهة.
14ـ القاضي كمال الدين بن الزملكاني المتوفى سنة 727هـ.
- ناظره وردّ عليه برسالتين، واحدة في مسئلة الطلاق، والأخرى في مسئلة الزيارة.
15ـ ناظره القاضي صفي الدين الهندي المتوفى سنة 715هـ.
16ـ الفقيه المحدّث علي بن محمّد الباجي الشافعي المتوفى سنة 714هـ.
- ناظره في أربعة عشر موضعًا وأفحمه.
17ـ المؤرخ الفخر بن المعلم القرشي المتوفى سنة 527هـ.
- نجم المهتدي ورجم المعتدي.
18ـ الفقيه محمد بن علي بن علي المازني الدهان الدمشقي المتوفى سنة 721هـ.
- رسالة في الرد على ابن تيمية في مسألة الطلاق.
- رسالة في الرد على ابن تيمية في مسألة الزيارة.
19ـ الفقيه أبو القاسم أحمد بن محمد بن محمد الشيرازي المتوفى سنة 733هـ.
- رسالة في الرد على ابن تيمية.
20ـ رد عليه الفقيه المحدث جلال الدين محمد القزويني الشافعي المتوفى سنة 739هـ.
21ـ مرسوم السلطان ابن قلاوون المتوفى سنة 741هـ بحبسه.
22ـ معاصره الحافظ الذهبي المتوفى سنة 748هـ.
- بيان زغل العلم والطلب.
- النصيحة الذهبية.
23ـ المفسر أبو حيان الأندلسي المتوفى سنة 745هـ.
- تفسير النهر الماد من البحر المحيط.
24ـ الشيخ عفيف الدين عبد الله بن أسعد اليافعي اليمني ثم المكي المتوفى سنة 768هـ.
25ـ الفقيه الرحّالة ابن بطوطة المتوفى سنة 779هـ.
- رحلة ابن بطوطة.
26ـ الفقيه تاج الدين السبكي المتوفى سنة 771هـ.
- طبقات الشافعية الكبرى.
27ـ تلميذه المؤرخ ابن شاكر الكتبي المتوفى سنة 764هـ.
- عيون التواريخ.
28ـ الشيخ عمر بن أبي اليمن اللخمي الفاكهي المالكي المتوفى سنة 734هـ.
- التحفة المختارة في الرد على منكر الزيارة.
29ـ القاضي محمد السعدي المصري الأخنائي المتوفى سنة 750هـ.
- المقالة المرضية في الرد على من ينكر الزيارة المحمدية، طبعت ضمن “البراهين الساطعة” للعزامي.
30ـ الشيخ عيسى الزواوي المالكي المتوفى سنة 743هـ.
- رسالة في مسألة الطلاق.
31ـ الشيخ أحمد بن عثمان التركماني الجوزجاني الحنفي المتوفى سنة 744هـ.
- الأبحاث الجلية في الرد على ابن تيمية.
32ـ الحافظ عبد الرحمن بن أحمد المعروف بابن رجب الحنبلي المتوفى سنة 795هـ.
- بيان مشكل الأحاديث الواردة في أن الطلاق الثلاث واحدة.
33ـ الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852هـ.
- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة.
- فتح الباري شرح صحيح البخاري.
- لسان الميزان.
34ـ الحافظ ولي الدين العراقي المتوفى سنة 826هـ.
- الأجوبة المرضية في الرد على الأسئلة المكية.
35ـ الفقيه المؤرخ ابن قاضي شهبة الشافعي المتوفى سنة 851هـ.
- تاريخ ابن قاضي شهبة.
36ـ الفقيه أبو بكر الحصني المتوفى سنة 928هـ.
- دفع شُبه من شبّه وتمرّد ونسب ذلك إلى الإمام أحمد.
37ـ رد عليه شيخ إفريقيا أبو عبد الله بن عرفة التونسي المالكي المتوفى سنة 803هـ.
38ـ العلَّامة علاء الدين البخاري الحنفي المتوفى سنة 841هـ، كفّره وكفّر من سمّاه شيخ الإسلام أي من يقول عنه شيخ الإسلام مع علمه بمقالاته الكفرية. ذكر ذلك الحافظ السخاوي في الضوء اللامع.
39ـ الشيخ محمد بن أحمد حميد الدين الفرغاني الدمشقي الحنفي المتوفى سنة 867هـ.
- الرد على ابن تيمية في الاعتقادات.
40ـ رد عليه الشيخ أحمد زروق الفاسي المالكي المتوفى سنة 899هـ.
- شرح حزب البحر.
41ـ الحافظ السخاوي المتوفى سنة 902هـ.
- الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ التاريخ.
42ـ أحمد بن محمد المعروف بابن عبد السلام المصري المتوفى سنة 931هـ.
- القول الناصر في رد خباط علي بن ناصر.
43ـ ذمه العالم أحمد بن محمد الخوارزمي الدمشقي المعروف بابن قرا المتوفى سنة 968هـ.
44ـ القاضي البَياضي الحنفي المتوفى سنة 1098هـ.
- إشارات المرام من عبارات الإمام.
45ـ الشيخ أحمد بن محمّد الوتري المتوفى سنة 980هـ.
- روضة الناظرين وخلاصة مناقب الصالحين.
46ـ الشيخ جلال الدين الدواني المتوفى سنة 928هـ.
- شرح العضدية.
47ـ الشيخ عبد النافع بن محمّد بن علي بن عراق الدمشقي المتوفى سنة 962هـ.
- أنظر ذخائر القصر في تراجم نبلاء العصر لابن طولون (ص/32 ـ 33).
48ـ الشيخ ابن حجر الهيتمي المتوفى سنة 974هـ.
- الفتاوى الحديثية.
- الجوهر المنظم في زيارة القبر المعظّم.
- حاشية الإيضاح في المناسك.
49 ـ القاضي أبو عبد الله المقري.
- نظم اللآلي في سلوك الأمالي.
50ـ الشيخ ملا علي القاري الحنفي المتوفى سنة 1014هـ.
- شرح الشفا للقاضي عياض.
51ـ الشيخ عبد الرءوف المناوي الشافعي المتوفى سنة 1031هـ.
- شرح الشمائل للترمذي.
52ـ المحدّث محمّد بن علي بن علان الصديقي المكي المتوفى سنة 1057هـ.
- المبرد المبكي في رد الصارم المنكي.
53ـ الشيخ أحمد الخفاجي المصري الحنفي المتوفى سنة 1069هـ.
- شرح الشفا للقاضي عياض.
54ـ المؤرخ أحمد أبو العباس المقري المتوفى سنة 1041هـ.
- أزهار الرياض.
55ـ الشيخ محمّد الزرقاني المالكي المتوفى سنة 1122هـ.
- شرح المواهب اللدنية.
56ـ الشيخ عبد الغني النابلسي المتوفى سنة 1143هـ.
- ذمه في أكثر من كتاب.
57ـ ذمه الفقيه الصوفي محمّد مهدي بن علي الصيادي الشهير بالرواس المتوفى سنة 1287هـ.
58ـ السيد محمّد أبو الهدى الصيادي المتوفى سنة 1328هـ.
- قلادة الجواهر.
59ـ المفتي مصطفى بن أحمد الشطي الحنبلي الدمشقي المتوفى سنة 1348هـ.
- النقول الشرعية.
60ـ محمود خطاب السبكي المتوفى سنة 1352هـ.
- الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحقّ.
61ـ مفتي المدينة المنورة الشيخ المحدث محمد الخضر الشنقيطي المتوفى سنة 1352هـ.
- لزوم الطلاق الثلاث دفعه بما لا يستطيع العالم دفعه.
62ـ الشيخ سلامة العزامي الشافعي المتوفى سنة 1376هـ.
- البراهين الساطعة في ردّ بعض البدع الشائعة.
- مقالات في جريدة المسلم (المصرية).
63ـ مفتي الديار المصرية الشيخ محمد بخيت المطيعي المتوفى سنة 1354هـ.
- تطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد.
64ـ وكيل المشيخة الإسلامية في دار الخلافة العثمانية الشيخ محمد زاهد الكوثري المتوفى سنة 1371هـ.
- كتاب مقالات الكوثري.
- التعقب الحثيث لما ينفيه ابن تيمية من الحديث.
- البحوث الوفية في مفردات ابن تيمية.
- الإشفاق على أحكام الطلاق.
65ـ إبراهيم بن عثمان السمنودي المصري، من أهل هذا العصر.
- نصرة الإمام السبكي برد الصارم المنكي.
66ـ عالِم مكة محمد العربي التبّان المتوفى سنة 1390هـ.
- براءة الأشعريين من عقائد المخالفين.
67ـ الشيخ محمّد يوسف البنوري الباكستاني.
- معارف السنن شرح سنن الترمذي.
68ـ الشيخ منصور محمّد عويس، من أهل هذا العصر.
- ابن تيمية ليس سلفيًّا.
69ـ الحافظ الشيخ أحمد بن الصديق الغماري المغربي المتوفى سنة 1380هـ.
- هداية الصغراء.
- القول الجلي.
70ـ الشيخ عبد الله الغماري المحدّث المغربي المتوفى سنة 1380هـ.
- إتقان الصنعة في تحقيق معنى البدعة.
- الصبح السافر في تحقيق صلاة المسافر.
- الرسائل الغمارية، وغيرها من الكتب.
71ـ المسند أبو الأشبال سالم بن جندان الأندونيسي.
- الخلاصة الكافية في الأسانيد العالية.
72ـ حمد الله البراجوي عالم سهارنبور.
- البصائر لمنكري التوسل بأهل القبور.
73ـ وقد كفّره الشيخ مصطفى أبو سيف الحمامي في كتابه غوث العباد ببيان الرشاد:
وقرّظه له جماعة وهم الشيخ محمّد سعيد العرفي، والشيخ يوسف الدجوي، والشيخ محمود أبو دقيقة، والشيخ محمّد البحيري، والشيخ محمّد عبد الفتّاح عناتي، والشيخ حبيب الله الجكني الشنقيطي، والشيخ دسوقي عبد الله العربي، والشيخ محمّد حفني بلال.
74ـ رد عليه أيضًا محمد بن عيسى بن بدران السعدي المصري.
75ـ السيد الشيخ الفقيه علوي بن طاهر الحداد الحضرمي.
76ـ مختار بن أحمد المؤيد العظمي المتوفى سنة 1340هـ.
- جلاء الأوهام عن مذاهب الأئمة العظام والتوسل بجاه خير الأنام عليه الصلاة والسلام، رد فيه على كتاب “رفع الملام” لابن تيمية.
77ـ الشيخ إسماعيل الأزهري.
- مرءاة النجدية.
78ـ الشيخ سراج الدين عباس الأندونيسي المتوفى سنة 1403هـ.
له كتب في العقيدة حذر فيها من عقائد ابن تيمية.
فانظر أيها الطالب للحق وتمعن بعد ذلك، كيف يلتفت إلى رجل تكلم فيه كل هؤلاء العلماء ليبيّنوا حقيقته للناس ليحذروا منه، فهل يكون بيان الحق شيئًا يعترض عليه، سبحانك هذا بهتان عظيم.
إن هذه النسخة مصورة عن نسخة خطية محفوظة في دار الكتب المصرية ـ القاهرة ـ تحت رقم /18823 ب، وهي مكتوبة بخط الفقيه ابن قاضي شهبة، نقلًا عن خط قاضي القضاة برهان الدين المعروف بابن جماعة، عن خط الحافظ أبي سعيد العلائي المنسوخ عن خط الذهبي نفسه.