زعم ابن تيمية أن الله يتكلم بحرفٍ وصوتٍ وأنه يتكلم إذا شاء ويسكت إذا شاء، ومن جملة افتراءات ابن تيمية على أئمة الحديث وأهل السُّنة والجماعة نقله عنهم أن الله متكلم بصوت نوعه قديم أي يحدث في ذات الله شيئا بعد شىء قال في كتابه رسالة في صفة الكلام (1) ما نصه “وحينئذٍ فكلامه قديم مع أنه يتكلم بمشيئته وقدرته وإن قيل إنه ينادي ويتكلم بصوت ولا يلزم من ذلك قدم صوت معين، وإذا كان قد تكلم بالتوراة والقرءان والإنجيل بمشيئته وقدرته لم يمتنع أن يتكلم بالباء قبل السين، وإن كان نوع الباء والسين قديمًا لم يستلزم أن يكون الباء المعينة والسين المعينة قديمة لما علم من الفرق بين النوع والعين”. ا.هـا
وقال في موضع (2) ءاخر منه “وقال الشيخ الإمام أبو الحسن محمد ابن عبد الملك الكرخي الشافعي في كتابه الذي سمّاه الفصول في الأصول: سمعت الإمام أبا منصور محمد بن أحمد يقول: سمعت الإمام أبا بكر عبد الله بن أحمد يقول: سمعت الشيخ أبا حامد الإسفرايني يقول: مذهبي ومذهب الشافعي وفقهاء الأمصار أن القرءان كلام الله غير مخلوق ومن قال إنه مخلوق فهو كافر، والقرءان حمله جبريل عليه السلام مسموعًا من الله والنبي سمعه من جبريل والصحابة سمعوه من رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) وهو الذى نتلوه نحن مقروء بألسنتنا وفيما بين الدفتين وما في صدورنا مسموعًا ومكتوبًا ومحفوظًا ومقروءًا وكل حرف منه كالباء والتاء كله كلام الله غير مخلوق ومن قال مخلوق فهو كافر عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين”. ا.هـا
وقال في المنهاج (3) “وسابعها قول من يقول إنه لم يزل متكلمًا إذا شاء بكلام يقوم به وهو متكلم بصوت يسمع وإن نوع الكلام قديم وإن لم يجعل نفس الصوت المعين قديمًا وهذا هو المأثور عن أئمة الحديث والسُّنة وبالجملة أهل السُّنة والجماعة أهل الحديث “. ا.هـا
وقال في الموافقة ما نصه (4) “وإذا قال السلف والأئمة إن الله لم يزل متكلمًا إذا شاء فقد أثبتوا أنه لم يتجدد له كونه متكلمًا، بل نفس تكلمه بمشيئته قديم وإن كان يتكلم شيئا بعد شىء، فتعاقب الكلام لا يقتضي حدوث نوعه إلا إذا وجب تناهي المقدورات المرادات”. ا.هـا
ثم قال فيه ما نصه (5) “فلما رجع موسى إلى قومه قالوا له صف لنا كلام ربك فقال: سبحان الله وهل أستطيع أن أصفه لكم، قالوا: فشبهه، قال: هل سمعتم أصوات الصواعق التي، تقبل في أحلى حلاوة سمعتموها فكأنه مثله”. ا.هـا
وقال في الموافقة ما نصه (6) “وحينئذ فيكون الحق هو القول الآخر وهو أنه لم يزل متكلمًا بحروف متعاقبة لا مجتمعة”. ا.هـا
وقال في فتاويه ما نصه(7) “فعلم أن قدمه عنده أنه لم يزل إذا شاء تكلم وإذا شاء سكت، لم يتجدد له وصف القدرة على الكلام التي هي صفة كمال، كما لم يتجدد له وصف القدرة على المغفرة، وإن كان الكمال هو أن يتكلم إذا شاء ويسكت إذا شاء”. ا.هـا
وقال فيه ايضا ما نصّه (8) “وفي الصحيح: إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات كجر السلسلة على الصفوان ” فقوله:” إذا تكلم الله بالوحي سمع يدل على أنه “يتكلم به حين يسمعونه، وذلك ينفي كونه أزليًا، وأيضا فما يكون كجر السلسلة على الصفا، يكون شيئا بعد شىء والمسبوق بغيره لا يكون أزليًا”. ا.هـا
وقال أيضًا ما نصه (9) “وجمهور المسلمين يقولون: إن القرءان العربي كلام الله، وقد تكلـم الله به بحرف وصوت، فقالوا: إن الحروف والأصوات قديمة الأعيان، أو الحروف بلا أصوات، وإن الباء والسين والميم مع تعاقبها في ذاتها فهي أزلية الأعيان لم تزل ولا تزال كـما بسطت الكلام على أقوال الناس في القرءان في موضعءاخر”.ا ا.هـا
وقال في مجموعة تفسير ما نصه (10) “وقولهم، “إن المحدَث يفتقر إلى إحداث وهلم جرا” هذا يستلزم التسلسل في الآثار مثل كونه متكلمًا بكلام بعد كلام، وكلمات الله لا نهاية لها، وأن الله لم يزل متكلمًا إذا شاء، وهذا قول أئمة السنة، وهو الحق الذي يدل عليه النقل والعقل”. ا.هـا
أقـول: فلا يغتر مطالع كتبه بنسبة هذا (الرأي الفاسد إلى أئمة أهل السنة وذلك دأبه أن ينسب رأيه الذي يراه ويهواه إلى أئمة أهل السُّنة، وليعلم الناظر في مؤلفاته أن هذا تلبيس وتمويه محض يريد أن يروجه على ضعفاء العقول الذين لا يوفقون بين العقل والنقل، وقد قال الموفقون من أهل الحديث وغيرهم إن ما يحيله العقل فلا يصح أن يكون هو شرع الله كما قال ذلك الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي (إن الشرع لا يأتي إلا بمجوزات العقول، وبهذا يردّ الخبر الصحيح الإسناد أي إذا لم يقبل التأويل كما قاله علماء المصطلح في بيان ما يعلم به كون الحديث موضوعًا، وأيّدوا ذلك بأن العقل شاهد الشرع فكيف يرد الشرع بما يكذبه شاهده).ا
وأما أحاديث الصوت فليس فيها ما يحتج به في العقائد، وقد ورد حديث مختلف في بعض رواته وهو عبد الله بن محمد بن عقيل (11)، روى حديثه البخاري (12) بصيغة التمريض، قال: ويُذكر، وفيه (فينادى بصوت فيسمعه من بَعُدَ كما يسمعه من قَرُبَ، أنا الملك أنا الديّان)، وإنما ذكره البخاري بصيغة التمريض من أجل راويه هذا، قال الحافظ ابن حجر (13) “ونظر البخاري أدق من أن يعترض عليه بمثل هذا فإنه حيث ذكر الارتحال فقط جزم به لأنّ الإسناد حسن وقد اعتضد، وحيث ذكر طرفًا من المتن لم يجزم به لأن لفظ الصوت مما يتوقف في إطلاق نسبته إلى الرب ويحتاج إلى تأويل، فلا يكفي فيه مجيء الحديث من طريق مختلف- فيها ولو اعتضدت” ا. هـ. أي لا يكفي ذلك في مسائل الاعتقاد وإن كان البخاري ذكر أوله في كتاب العلم (14) بصيغة الجزم لأنه ليس- فيه ذكر الصوت، إنما فيه ذكر رحيل جابر بن عبد الله إلى عبد الله بن أُتَيْس من المدينة إلى مصر.ا
والحديث الآخر (15) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم “يقول الله يوم القيامة: ياءادم، فيقول: لبيّك وسعديك، فينادى بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى النار”، هذا اللفظ رواه رواة البخاري على وجهين، بعضهم رواه بكسر الدال وبعضهم رواه بفتح الدال.ا
قال الحافظ ابن حجر (16) “ووقع فينادي مضبوطًا للأكثر بكسر الدال، وفي رواية أبي ذر بفتحها على البناء للمجهول، ولا محذور في رواية الجمهور، فإن قرينة قوله: إن الله يأمرك، تدل ظاهرًا على أن المنادي ملك يأمره الله بأن ينادي بذلك” اهـ. وهذا الحديث رواه البخاري موصولاً مسندًا، لكنه ليس صريحًا في إثبات الصوت صفة لله فلا حجة فيه لذلك للصوتية.ا
قال الحافظ ابن حجر(17) “قال البيهقي: اختلف الحفاظ في الاحتجاج بروايات ابن عقيل لسوء حفظه، ولم يثبت لفظ الصوت في حديث صحيح عن النبي غير حديثه،ا فإن كان ثابتا فإنه يرجع إلى غيره في حديث ابن مسعود (18) وفي حديث أبي هريرة أن الملائكة يسمعون عند حصول الوحي صوتًا، فيحتمل أن يكون الصوت للسماء أو للملك الآتي بالوحي أو لأجنحة الملائكة، وإذا احتمل ذلك لم يكن نصًّا في المسألة، وأشار- يعني البيهقي- في موضعءاخر إلى أن الراوي أراد فينادي نداء فعبر عنه بصوت”. انتهى.ا
قال الكوثري في مقالاته (19) ما نصه “ولم يصح في نسبة الصوت إلى الله حديث ” اهـ.ا
——————————————-
ا(1) أنظر الكتاب (ص/ 51).ا
ا(2) أنظر الكتاب (ص/ 54).اا
ا(3) أنظر المنهاج (1/ 221).ا
ا(4) أنظر الموافقة (2/ 143).ا
ا(5) أنظر الموافقة (2/ 151).ا
ا(6) أنظر الموافقة (4/ 107).ا
ا(7) مجموع فتاوى (6/ 160).ا
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
ا(8) مجموع فتاوى (6/ 234).ا
ا(9) مجموع فتاوى (5/ 556- 557).ا
ا(10)مجموعة تفسير ست سور (ص/ 311).ا
ا(11) راجع ترجمته في: الضعفاء الكبير (2/ 298)، الكامل (4/ 1446)، المجروحين (2/ 3)، سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني (ص/ 88)، أحوال الرّجال (ص/ ا138)، الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (2/ 140)، الجرح والتعديل (5/ 153)،0 المغني (1/ 354)، تهذيب التهذيب (6/ 13)، الكاشف (2/113)، ميزانا الاعتدال (3/ 484)، التاريخ الكبير (5/ 183).ا
ا(12) أخرجه عن ابن عقيل البخاري في الأدب المفرد: باب المعانقة، وأخرجه البخاري بي صحيحه: كتاب التوحيد:ا
باب قول الله تعالى {وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} الآية ذكره تعليقًا بغير إسناد.ا
ا(13) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (1/ 174- 175).ا
ا(14) أخرجه البخاري في صحيحه تعليقًا: كتاب العلم: باب الخروج في طلب العلم.ا
ا(15) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب التوحيد.ا
ا(16) فتح الباري (13/ 460).ا
ا(17) أنظر فتح الباري (458/13).ا
ا(18) يعني به قوله “إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات شيئا، فإذا فُزّع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا أنه الحقّ، ونادوا ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق” رواه البخاري وفي حديث أبي هريرة عن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) أنه قال “إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملاتكة بأجنحتها خضعانًا لقوله، كانه سلسلة على صفوان، قال علي وقال غيره صفوان ينفذهم ذلك، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحقّ وهو العلي الكبير” رواه البخاري.ا
ا(19) أنظر المقالات (ص/ 33).ا