مولده ونسبه الشريف
الإِمَامُ الصَّادِقُ شَيْخُ بَنِي هَاشِمٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ جَعْفَرُ ابنُ الإمام مُحَمَّدِ الباقر ابنِ الإمام عَلِيٍّ زين العابدين السجاد ابنِ الإمام الشَّهِيْدِ أَبِي عَبْدِ اللهِ رَيْحَانَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسِبْطِهِ وَمَحْبُوبِهِ الحسَيْنِ ابنِ أَمِيْرِ المؤْمِنِيْنَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، رضي الله عنهم أجمعين. وكنيته أبو عبد الله وقيل: أبو إسماعيل، وألقابه ثلاثة: الصادق والفاضل والطاهر، وأشهرها الصادق. ولقب بالصادق لصدقه في مقالته، وفضلُه أشهر من أن يذكر.
كانت ولادته رضي الله عنه بالمدينة سنة ثمانين للهجرة، وقيل: بل ولد يوم الثلاثاء قبل طلوع الشمس ثامن شهر رمضان سنة ثلاث وثمانين. قال بعضهم: والأول أصح. أُمُّه: هِيَ أُمُّ فَرْوَةَ بِنْتُ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ الصديق. وَأُمُّهَا: هِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي بَكْرٍ الصديق، وَلِـهَذَا كَانَ يَقُوْلُ: وَلَدَنِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيْقُ مَرَّتَيْنِ. وَرَأَى بَعْضَ الصَّحَابَةِ، كأَنَسِ بن مَالِكٍ، وَسَهْل بن سَعْدٍ. حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ أَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ، وَعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، وَعَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ وَرِوَايَتُه عَنْهُ فِي (صحيح مُسْلِمٍ)، وَجَدِّه القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ بن أبي بكر، وَمُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَغَيْرِهِم من أئمة أهل السنة. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ مُوْسَى الكَاظِمُ، وَيَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَسُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ، وَءاخَرُوْنَ.
فائدة: سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه سمى أحد أولاده “أبا بكر” وءاخر “عمر” وءاخر “عثمان”، وزوَّجَ عمرَ رضي الله عنه في خلافته بنته “أم كلثوم” شقيقة “الحسن والحسين”، وللحسين ابن سماه أبا بكر، استشهد معه رضي الله عنهم.
صفته
كان رضي الله عنه معتدلا ءادم اللون. ونقش خاتمه: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، أستغفر الله. وكان جعفر الصادق رضي الله عنه مجاب الدعوة إذا سأل الله شيئا لا يتم قوله إلا وهو بين يديه بإذن الله تعالى.
أولاده رضي الله عنه
لَهُ عِدَّةُ أَوْلاَدٍ: أَقدمُهُم إِسْمَاعِيْلُ بنُ جَعْفَرٍ: وَمَاتَ شَابًّا فِي حَيَاةِ أَبِيْهِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ، وَخلَّفَ: مُحَمَّدًا، وَعَلِيًّا، وَفَاطِمَةَ. فَكَانَ لِمُحَمَّدٍ مِنَ الوَلَدِ: جَعْفَرٌ، وَإِسْمَاعِيْلُ فَقَطْ. فَوَلَدَ جَعْفَرٌ مُحَمَّدًا، وَأَحْمَدَ دَرَجَ، وَلَمْ يُعْقِبْ. فَوُلِدَ لِمُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ: جَعْفَرٌ، وَإِسْمَاعِيْلُ، وَأَحْمَدُ، وَحَسَنٌ. فَوُلدَ لِحَسَنٍ: جَعْفَرٌ الَّذِي مَاتَ بمِصْرَ، سنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَخلَّفَ ابْنَه مُحَمَّدًا، فَجَاءهُ خَمْسَةُ بَنِيْنَ. وَوُلِدَ لإِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدٍ: أَحْمَدُ، وَيَحْيَى، وَمُحَمَّدٌ، وَعَلِيٌّ دَرَجَ، وَلَمْ يُعْقِبْ. فَوُلِدَ لأَحْمَدَ جَمَاعَةُ بَنِيْنَ: مِنْهُم إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَحْمَدَ، المُتَوْفَى بِمِصْرَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ. أولاده رضي الله عنه كانوا سبعة على قول، ستة ذكور وبنت واحدة وهم: إسماعيل، ومحمد، وعلي، وعبد الله، وإسحاق، وموسى الكاظم، والبنت اسمها فروة كذا في (الفصول المهمة).
وفي الملل والنحل للشهرستاني: كان لجعفر الصادق خمسة أولاد: محمد، وإسماعيل، وعبد الله، وموسى، وعلي، وأسقط إسحاق البنت. وقيل: إن أولاد جعفر تسعة إلا أنه لم يسردهم بالعد جميعهم إنما عد ما في الفصول المهمة واقتصر ولم يذكر البنت. وفي بحر الأنساب للحسيني أنهم عشرة وهم: إسماعيل، وعبد الله، وأم فروة أمهم فاطمة بنت الحسين الأثرم ابن الإمام الحسن ابن الإمام علي ابن أبي طالب رضي الله عنهم. والإمام موسى الكاظم، وإسحاق المؤتمن، ومحمد الديباج لأم ولد يقال لها حميدة البربرية. وعلي العريضي لأم ولد. والعباس، وأسماء، وفاطمة لأمهات أولاد شتى. وذكر بعضهم أن له بنتا اسمها عائشة وهي مدفونة في مصر، قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني في المنن: أخبرني سيدي علي الخواص أن السيدة عائشة بنت جعفر الصادق في المسجد الذي له المنارة الصغيرة على يسار من يريد الخروج من الرميله إلى باب القرافة.اهـ وذكر ذلك الشعراني أيضا في الطبقات والصبان في إسعاف الراغبين. وكانت وفاتها في حياة أبيها سيدنا جعفر الصادق عليه السلام.
فائدة جليلة
زَوَّجَ عَلِيُّ بْنُ أِبي طَالِبٍ ابْنَهُ الحَسَنَ بِحَفْصَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَزَوَّجَ عَلِيُّ بْنُ أبي طَالِبٍ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ فَوَلَدَتْ لَهْ زَيْدًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَكَذَا زَوَّجَ عَلِيٌّ زَيْنُ العَابِدِينَ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ابْنَهُ مُحَمَّدًا الْبَاقِرَ بِأُمِّ فَرْوَةَ بِنْتِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِيَ بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَوَلَدَتْ لَهُ جَعْفَرَ الصَّادِقَ – رضي الله عنهم – أَجْمَعِينَ، ومن ءال البيت:
أَبوُبَكْرِ: بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو بَكْرِ: بْنُ الحَسَنِ بْنِ عَليِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ، وَأَبُو بَكْرِ: بْنُ عَلِيٍّ زَيْنِ العَابِدِينَ بْنِ الْـحـُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبُو بَكْرِ: بنُ مُوسَى الْكَاظِمِ ابْنِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْباقِرِ بْنِ عَلِيٍّ زَيْنِ اْلعَابِدِينَ، وَأَبُو بَكْرِ: بْنُ عَلِيٍّ الرِّضَا بْنِ مُوسَى الْكَاظِمِ، وَغَيْرُهُمْ.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
ومِنْهُمْ: عُمَرُ: بنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعُمَرُ: بنُ الْحَسَنِ بنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعُمَرُ: بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعُمَرُ:بْنُ عَلِيٍّ زَيْنِ العَابِدِينَ بْنِ الحُسَيْنِ، وَعُمَرُ: بْنُ مُوسَى الْكَاظِمِ بْنِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ زَيْنِ الْعَابِدِينَ، وَغَيْرُهم،
ومِنْهُنَّ: عَائِشَةُ: بنْتُ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ بْنِ مْحَمَّدٍ البَاقِرِ بْنِ عَلِيٍّ زَيْنِ العَابِدِينَ بْنِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَائِشَةُ: بنْتُ مُوسَى الكَاظِمِ بْنِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، وَعَائِشَةُ: بِنْتُ جَعْفَرِ بْنِ مُوسَى الكَاظِمِ، وعَائِشَةُ: بنْتُ عَليٍّ الرِّضا بْنِ مُوسَى الكَاظِمِ، وَعَائِشَةُ: بِنْتُ عَلِيٍّ الْهَادِي بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَوَادِ بْنِ عَلِيٍّ الرِّضا، وعَائِشَةُ: بِنْتُ مَحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الْحَسنِ الـمُثَنَّى بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ، وغيرُهُنَّ.
مناقبه
أما مناقبه فكثيرة تكاد تفوت عد الحاسب ويحار في أنواعها فهم اليقظ الكابت، قال أبو حاتم: جَعْفَرٌ لاَ يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِهِ. وسئل أبو حَنِيْفَةَ: مَنْ أَفْقَهُ مَنْ رَأَيْتَ؟قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَفْقَهَ مِنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ. قَالَ إِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه: قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ فِي مُنَاظَرَةٍ جَرَتْ: كَيْفَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ عِنْدَك؟ قَالَ: ثِقَةٌ. وَرَوَى عَبَّاسٌ عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ: ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ. وَعَنْ عَمْرِو بنِ أَبِي الـمِقْدَامِ، قَالَ: كُنْتُ إِذَا نَظَرتُ إِلَى جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَلِمتُ أَنَّهُ مِنْ سُلاَلَةِ النَّبِيِّيْنَ، قَدْ رَأَيْتُه وَاقِفًا عِنْدَ الجَمْرَةِ يَقُوْلُ: سَلُونِي، سَلُونِي.
حبه لأبي بكر وعمر
عَنْ زُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ:قَالَ أَبِي لِجَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ: إِنَّ لِي جَارًا يَزْعُمُ أَنَّكَ تَبرَأُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.فَقَالَ جَعْفَرٌ: بَرِئَ اللهُ مِنْ جَارِكَ، وَاللهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَنْفَعَنِي اللهُ بِقَرَابَتِي مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَلَقَدِ اشْتكَيتُ شِكَايَةً، فَأَوصَيتُ إِلَى خَالِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ. عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ، قَالَ:سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ وَابْنَه جَعْفَرًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: يَا سَالِمُ! تَوَلَّهُمَا، وَابْرَأْ مِنْ عَدُوِّهِمَا، فَإِنَّهُمَا كَانَا إِمَامَيْ هُدَىً.ثُمَّ قَالَ جَعْفَرٌ: يَا سَالِمُ! أَيَسُبُّ الرَّجُلُ جَدَّه، أَبُو بَكْرٍ جَدِّي، لاَ نَالَتْنِي شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ القِيَامَةِ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَتَوَلاَّهُمَا، وَأَبرَأُ مِنْ عَدوِّهِمَا.
حَدَّثَ عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ العَبَّاسِ الهَمْدَانِيُّ:أَنَّ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ أَتَاهُم وَهُم يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَرْتَحِلُوا مِنَ المَدِيْنَةِ، فَقَالَ: إِنَّكُم إِنْ شَاءَ اللهُ مِنْ صَالِحِي أَهْلِ مِصرِكُم، فَأَبلِغُوهُم عَنِّي: مَنْ زَعَمَ أَنِّي إِمَامٌ مَعصُومٌ، مُفتَرَضُ الطَّاعَةِ، فَأَنَا مِنْهُ بَرِيْءٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنِّي أَبْرَأُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَأَنَا مِنْهُ بَرِيْءٌ. وعَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ، حَدَّثَ حَنَانُ بنُ سَدِيْرٍ، سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ، وَسُئِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ:إِنَّكَ تَسْأَلُنِي عَنْ رَجُلَيْنِ قَدْ أَكَلاَ مِنْ ثِمَارِ الجَنَّةِ. وحَدَّثَ عَمْرُو بنُ قَيْسٍ الـمـُلاَئِيُّ سَمِعْتُ جَعْفَرَ بنَ مُحَمَّدٍ يَقُوْلُ:بَرِئَ اللهُ مِمَّنْ تَبَرَّأَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.
بعض أقواله في التنزيه
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: من زعم أن الله في شيء، أو من شيء، أو على شيء، فقد أشرك؛ إذ لو كان على شيء لكان محمولا، ولو كان في شيء لكان محصورًا، ولو كان من شيء لكان محدثًا.اهـ أي مخلوقا. رواه الأستاذ أبو القاسم القشيري في الرسالة القشيرية، والإمام الباقلاني في الإنصاف، والإمام الرفاعي في البرهان المؤيد، وغيرهم.
عقيدته في القضاء والقدر
عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ يُؤْمِنُ مُؤْمِنٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالقَدَرِ كُلِّهِ، حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيْبَه). والإمام جعفر بن محمد الصادق له كتاب في الرد على القدرية وكتاب في الرد على الخوارج ورسالة في الرد على الغلاة من الروافض، وهو الذي قال: أرادت المعتزلة أن توحد ربها فألحدت وأرادت التعديل فنسبت البخل إلى ربها.اهـ
وقال الإمام أبو الحسن شيث بن إبراهيم المالكي (ت598 هـ) في كتابه: “حز الغلاصم في إفحام المخاصم عند جريان النظر في أحكام القدر”: روي أن قدريا دخل على الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام فقال له: يا ابن بنت رسول الله، تعالى الله عن الفحشاء، فقال له جعفر الصادق: يا أعرابي، وجلَّ ربُنا أن يكون في ملكه ما لا يشأ، فقال القدري: يا ابن بنت رسول الله، أيـُحبّ ربُّنا أن يُعصى، قال: يا أعرابي أفيعصى ربنا قهرا، قال: يا ابن بنت رسول الله أرأيت إن صدني الهدى فسلك بي طريق الردى أحسن بي أم أساء، فقال عليه السلام: إن منعك شيئا هو لك فقد ظلم وأساء وإن منعك شيئا هو له فإنه يختص برحمته من يشاء.اهـ فأفحم القدري وبـُهِت ولم يجد جوابا وهذا كلام حجته فيه، فما يحتاج إلى بيان ولا إقامة برهان ولكن لا ينتفع به إلا من خلقه الله للجنة. اهـ
من فتاويه المشهورة
أخرج الحافظ البيهقي (ت 458 هـ) في السنن الكبرى (7/340): عَنْ مَسْلَمَةَ بنِ جَعْفَرٍ قَالَ: قُلْتُ لِجَعْفَر بْنِ مُحَمَّدٍ: إِنَّ قَوْمًا يَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ ثَلاَثًا بِجَهَالَةٍ رُدَّ إِلَى السُّنَّةِ يَجْعَلُونَهَا وَاحِدَةً يَرْوُونَهَا عَنْكُمْ، قَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ، مَا هَذَا مِنْ قَوْلِنَا، مَنْ طَلَّقَ ثَلاَثًا فَهُوَ كَمَا قَالَ. وأخرج البيهقي أيضًا في السنن الكبرى (7/207) عَنْ بَسَّامٍ الصَّيْرَفىِّ قَالَ: سَأَلْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنِ الْمُتْعَةِ وَوَصَفْتُهَا لَهُ، فَقَالَ لِى: ذَاكَ الزِّنَا. وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري بشرح صحيح البخاري، المجلد التاسع، كِتَاب النِّكَاحِ، باب نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ آخِرًا: ونقل البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال: “هي الزنا بعينه”.اهـ
كراماته
الأولى: حدث عبد الله بن الفضل بن الربيع عن أبيه أنه قال: لما حج المنصور سنة سبع وأربعين ومائة قدم المدينة فقال للربيع: ابعث إلى جعفر بن محمد من يأتينا به متعبا، قتلني الله إن لم أقتله، فتغافل الربيع عنه وتناساه، فأعاد عليه في اليوم الثاني وأغلظ في القول، فأرسل إليه الربيع فلما حضر، قال له الربيع: يا أبا عبد الله اذكر الله تعالى، فإنه قد أرسل لك من لا يدفع شره إلا الله وإني أتخوف عليك، فقال جعفر: لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم إن الربيع دخل به على المنصور فلما رءاه المنصور أغلظ له في القول وقال: يا عدو الله اتخذك أهل العراق إماما يحبون إليك زكاة أموالهم وتلحد في سلطاني وتتبع لي الغوائل قتلني الله إن لم أقتلك، فقال جعفر: يا أمير المؤمنين إن سليمان أعطي فشكر وإن أيوب ابتلي فصبر وإن يوسف ظلم فغفر وهؤلاء أنبياء الله وإليهم يرجع نسبك ولك فيهم أسوة حسنة. فقال المنصور: أجل يا أبا عبد الله ارتفع إلى هنا عندي ثم قال: يا أبا عبد الله إن فلانا أخبرني عنك بما قلت لك، فقال: أحضره يا أمير المؤمنين ليوافقني على ذلك فأحضر الرجل الذي سعى به إلى المنصور، فقال له المنصور: أحقا ما حكيت لي عن جعفر؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال جعفر: استحلفه، فبادر الرجل وقال: والله العظيم الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الواحد الأحد، وأخذ يعدد في صفات الله تعالى، فقال جعفر: يا أمير المؤمنين يحلف بما استحلفه، فقال: حلفه بما تختار، فقال له جعفر: قل برئت من حول الله وقوته والتجأت إلى حولي وقوتي لقد فعل جعفر كذا وكذا، فامتنع الرجل فنظر إليه المنصور نظرة منكرة، فحلف بها فما كان بأسرع من أن ضرب برجله الأرض وخر ميتا مكانه، فقال المنصور: جروا برجله وأخرجوه ثم قال: لا عليك يا أبا عبد الله أنت البرىء الساحة والسليم الناحية المأمون الغائلة علي بالطيب، فأتي بالغالية فجعل يفلق بها لحيته إلى أن تركها تقطر وقال: في حفظ الله وكلاءته وألحقه يا ربيع بجوائز حسنة وكسوة سنية. قال الربيع: فلحقته بذلك ثم قال له: يا أبا عبد الله رأيتك تحرك شفتيك وكلما حركتها سكن غضب المنصور بأي شىء كنت تحركها؟ قال: بدعاء جدي الحسين. قال الربيع: وقلت له: منعت الساعي بك إلى المنصور من أن يحلف بيمينه وأحلفته بيمينك فما كان إلا أن أخذ لوقته ما السر فيه؟ قال: لأن في يمينه توحيد الله وتمجيده وتنزيهه فقلت: يحلم عليه ويؤخر عنه العقوبة وأحببت تعجيلها إليه فاستحلفته بما سمعت فأخذه الله لوقته.
الثانية: روي أن داود بن علي بن العباس قتل المعلى بن الحسين مولى كان لجعفر الصادق وأخذ ماله فبلغ ذلك جعفرا فدخل داره ولم يزل ليله كله قائما إلى الصباح، فلما كان وقت السحر سمع منه في مناجاته دعاء فيه: اللهم اكفنا هذه الطاغية وانتقم لنا منهم، فما كان إلا أن ارتفعت الأصوات وقيل: مات داود ابن علي فجأة.
الثالثة: لما بلغ جعفر الصادق رضي الله عنه قول الحكم بن عباس الكلبي:
صلبنا لكم زيدا على جزع نخلة ولم أر مهريا على الجذع يصلب
رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم سلط عليه كلبا من كلابك، فبعثه بني أمية إلى الكوفة فافترسه الأسد في الطريق، فبلغ ذلك جعفرا فخر ساجدا لله تعالى وقال: الحمد لله الذي أنجزنا ما وعدنا.
الرابعة: عن إبراهيم بن عبد الحميد قال: اشتريت بردة من مكة وءاليت على نفسي أن لا تخرج من ملكي حتى تكون كفني فخرجت بها إلى عرفة فوقفت فيها الموقف ثم انصرفت إلى المزدلفة فبعد أن صليت فيها المغرب والعشاء رفعتها وطويتها ووضعتها تحت رأسي ونمت فلما انتبهت لم أجدهما فاغتممت لذلك غما شديدا فلما أصبحت صليت وأفضت مع الناس إلى منى فوالله إني لفي مسجد الخيف إذ أتاني رسول أبي عبد الله جعفر الصادق يقول لي: يقول لك أبو عبد الله تأتينا في هذه الساعة، فقمت مسرعا حتى دخلت على أبي عبد الله وهو في فسطاط فسلمت وجلست والتفت إلي وقال: يا إبراهيم تحب أن نعطيك بردة تكون لك كفنا؟ قلت: والذي يحلف به لقد كان معي بردة معدها لذلك ولقد ضاعت مني بالمزدلفة. فأمر غلامه فأتى ببردة فناولنيها فإذا هي بردتي بعينها فقلت: بردتي يا سيدي قال: خذها فقد جمعها الله عليك يا إبراهيم.
فوائد
الأولى: قال جعفر الصادق رضي الله عنه صاحب الترجمة: لما وقعت إلى أبي جعفر المنصور بعد قتل محمد بن عبد الله بن الحسن نـهرني وكلمني بكلام غليظ ثم قال: يا جعفر قد علمت بفعل محمد بن عبد الله الذي تسمونه النفس الزكية وما نزل به وإنما أنتظر الآن أن يتحرك منكم أحد فألحق الصغير بالكبير قال: قلت يا أمير المؤمنين حدثني محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاث سنين فيصله الله إلى ثلاث وثلاثين سنة، وإن الرجل ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاث وثلاثون سنة فينزلها الله إلى ثلاث سنين” قال: فقال لي: الله سمعت هذا من أبيك؟ فقلت: والله لقد سمعتها منه فرددها علي ثلاثا ثم قال: انصرف.
الثانية: روي عن جعفر الصادق أنه قال لغلامه نافد: يا نافد إذا كتبت كتابا في حاجة وأردت أن تنجح حاجتك التي تريد فاكتب في رأس الورقة: بسم الله الرحمن الرحيم وعد الله الصابرين المخرج مما يكرهون والرزق من حيث لا يحتسبون جعلنا الله وإياكم من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.قال نافد: فكنت أفعل فتنجح حوائجي.
من وصاياه
عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: مَنْ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ مائَةَ مرَّةٍ، قَضَى اللهُ لَهُ مائَةَ حَاجَةٍ. وعَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ قَالَ:لَمَّا قَالَ لَهُ سُفْيَانُ: لاَ أَقُومُ حَتَّى تُحَدِّثَنِي، قَالَ: أَمَا إِنِّي أُحَدِّثُكَ، وَمَا كَثْرَةُ الحَدِيْثِ لَكَ بِخَيْرٍ، يَا سُفْيَانُ! إِذَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْكَ بِنِعْمَةٍ، فَأَحْبَبْتَ بَقَاءهَا وَدوَامَهَا، فَأَكْثِرْ مِنَ الحَمْدِ وَالشُّكرِ عَلَيْهَا، فَإِنَّ اللهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيْدَنَّكُمْ} إِبْرَاهِيْمُ:7، وَإِذَا اسْتَبْطَأْتَ الرِّزقَ، فَأَكْثِرْ مِنَ الاسْتِغْفَارِ، فَإِنَّ اللهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ…} نُوْحُ: 10 – 13 الآيَةَ.
يَاسُفْيَانُ! إِذَا حَزَبَكَ أَمرٌ مِنَ السُّلْطَانِ، أَوْ غَيْرِه، فَأَكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ الفَرَجِ، وَكَنْزٌ مِنْ كُنوزِ الجَنَّةِ.فَعَقدَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ، وَقَالَ: ثَلاَثٌ، وَأَيُّ ثَلاَثٍ!قَالَ جَعْفَرٌ: عَقَلَهَا -وَاللهِ- أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَلَيَنفَعَنَّه اللهُ بِهَا.
عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، وَسُئِلَ: لِمَ حَرَّمَ اللهُ الرِّبَا؟ قَالَ: لِئَلاَّ يَتَمَانعَ النَّاسُ الـمَعْرُوْفَ. حَدَّثَ الأَصْمَعِيُّ قَالَ:قَالَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ: الصَّلاَةُ قُربَانُ كُلِّ تَقِيٍّ، وَالحجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيْفٍ، وَزَكَاةُ البَدَنِ الصِّيَامُ، وَالدَّاعِي بِلاَ عَمَلٍ كَالرَّامِي بِلاَ وَتَرٍ، وَاسْتَنْزِلُوا الرِّزْقَ بِالصَّدَقَةِ، وَحَصِّنُوا أَمْوَالَكم بِالزَّكَاةِ، وَمَا عَالَ مَنِ اقْتَصَدَ، وَالتَّقدِيرُ نِصْفُ العَيْشِ، وَقِلَّةُ العِيَالِ أَحَدُ اليَسَارَيْنِ، وَمَنْ أَحْزَنَ وَالِدَيْه، فَقَدْ عَقَّهُمَا.
وعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ:رَأَيْتُ جَعْفَرًا يُوْصِي مُوْسَى -يَعْنِي ابْنَهُ-:يَا بُنَيَّ! مَنْ قَنعَ بِمَا قُسِمَ لَهُ، اسْتَغْنَى، وَمَنْ مَدَّ عَيْنَيْهِ إِلَى مَا فِي يَدِ غَيْرِه، مَاتَ فَقِيْرًا، وَمَنْ كَشَفَ حِجَابَ غَيْرِه، انكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ، وَمَنْ سَلَّ سَيْفَ البَغْيِ، قُتِلَ بِهِ، وَمَنِ احْتَفَرَ بِئْرًا لأَخِيْهِ، أَوقَعَهُ اللهُ فِيْهِ، وَمَنْ دَاخَلَ السُّفَهَاءَ، حُقِّرَ، وَمَنْ خَالطَ العُلَمَاءَ، وُقِّرَ، وَمَنْ دَخَلَ مَدَاخِلَ السُّوءِ، اتُّهِمَ.يَا بُنَيَّ! إِيَّاكَ أَنْ تُزرِيَ بِالرِّجَالِ، فَيُزْرَى بِكَ، وَإِيَّاكَ وَالدُّخُوْلَ فِيْمَا لاَ يَعْنِيكَ، فَتَذِلَّ لِذَلِكَ.يَا بُنَيَّ! قُلِ الحَقَّ لَكَ وَعَلَيْكَ، تُسْتَشَارُ مِنْ بَيْنِ أَقْرِبَائِكَ، كُنْ لِلْقُرْآنِ تَالِيًا، وَللإِسْلاَمِ فَاشِيًا، وَللمَعْرُوْفِ آمِرًا، وَعَنِ الـمـُنْكرِ نَاهِيًا، وَلِمَنْ قَطَعَكَ وَاصِلاً، وَلِمَنْ سَكَتَ عَنْكَ مُبتَدِئًا، وَلِمَنْ سَألَكَ مُعطِيًا، وَإِيَّاكَ وَالنَّمِيْمَةَ، فَإِنَّهَا تَزرَعُ الشَّحْنَاءَ فِي القُلُوْبِ، وَإِيَّاكَ وَالتَّعَرُّضَ لِعُيُوْبِ النَّاسِ، إِذَا طَلَبْتَ الـجـُوْدَ، فَعَلَيْكَ بِمَعَادِنِهِ، فَإِنَّ لِلْجُوْدِ مَعَادِنَ، وَللمَعَادِنِ أُصُوْلاً، وَللأُصُوْلِ فُرُوعًا، وَلِلفُرُوعِ ثَمَرًا، وَلاَ يَطِيْبُ ثَمَرٌ إِلاَّ بِفَرعٍ، وَلاَ فَرعٌ إِلاَّ بِأَصلٍ، وَلاَ أَصلٌ إِلاَّ بِمَعدنٍ طَيِّبٍ، زُرِ الأَخْيَارَ، وَلاَ تَزُرِ الفُجَّارَ، فَإِنَّهُم صَخْرَةٌ لاَ يَتَفَجَّرُ مَاؤُهَا، وَشَجَرَةٌ لاَ يَخضَرُّ وَرَقُهَا، وَأَرْضٌ لاَ يَظْهَرُ عُشْبُهَا.
وَعَنْ عَائِذِ بنِ حَبِيْبٍ: قَالَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ: لاَ زَادَ أَفْضَلُ مِنَ التَّقوَى، وَلاَ شَيْءَ أَحْسَنُ مِنَ الصَّمتِ، وَلاَ عَدوَّ أَضرُّ مِنَ الجَهْلِ.
حبه للصدقة
عن ابنِ بِسْطَامَ قَالَ: كَانَ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ يُطعِمُ، حَتَّى لاَ يَبْقَى لِعِيَالِه شَيْءٌ.
وفاته
توفي في شوال سنة ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ بالمدينة، وله من العمر ثمان وستون سنة، ودفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمد الباقر وجده علي زين العابدين وعم جده الحسن بن علي، رضي الله عنهم أجمعين. ويقال: إنه مات بالسم.