إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديهِ ونشكرُه ونعوذُ بالله منْ شرورِ أنفسِنا ومِن سيئاتِ أعمالِنا مَنْ يهْدِ الله فلا مضلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحْدَهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ سيّدَنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه وحبيبُه مَنْ بعثَهُ الله رحمةً للعالمين هاديًا ومبشّرًا ونذيرًا بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأُمَّةَ فجزاهُ الله عنَّا خيرَ ما جَزى نبيًّا مِنْ أنبيائهِ صلواتُ الله وسلامُه عليهِ وعلى كلّ رسولٍ أرسلَهُ أمَّا بعدُ فيَا عبادَ الله أُوصيكُمْ ونفسيَ بتقوَى الله العليِ العظيمِ.
يقولُ الله تعالَى في كتابهِ العزيزِ:
}فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ{ [سورة محمّد].
قُدّمَ الأمرُ بمعرفةِ التوحيدِ على الأمرِ بالاستغفارِ، والسببُ فيهِ أنَّ معرفةَ التوحيدِ إشارةٌ إلى عِلْمِ العقيدةِ. لذلكَ قالَ الشافعيُّ رضيَ الله عنهُ: “أحْكَمْنا ذاك قبل هذا”.
أيْ عِلْمَ التوحيدِ قبلَ فروعِ الفِقْهِ، ولذلكَ قالَ الإمامُ أبو حنيفةَ رضيَ الله عنهُ “اعْلَمْ أنَّ الفِقْهَ في الدّينِ أفضَلُ مِنَ الفِقْهِ في الأحْكامِ” وإنّما سمّيَ عِلْمَ التوحيدِ لأشهَرِ مباحثِهِ وهي توحيدُه تباركَ وتعَالى في الذاتِ والصفاتِ والأفعال، وعدمِ مشابهتِه لشىءٍ مِنْ مخلوقاتِه.
فاعلَمْ أخي المسلمَ، إذا قالَ لكَ قائلٌ مَنْ تعبدُ؟ فقلْ أَعْبُدُ الله الذي لا إله إلا هوَ، لا إله إلا الله، لا معبودَ بحقٍ إلا الله، لا أحدَ يستحقُّ العبادةَ إلا الله، أيْ لا أحدَ يستحقُّ أن يُتذَلَّلَ لهُ نهايةَ التذلُّلِ إلا الله الذي ليسَ متحيّزًا في الأرضِ ولا في السماءِ، رَبُّنا لا يسْكُنُ الأرضَ ولا السماءَ، كانَ قبلَ الأرضِ والسماءِ وكلّ العالَمِ، كانَ قبلَ المكانِ والزمانِ وهُوَ الآنَ كمَا كانَ.
فالله تعالَى لا يتغيّرُ واسْمَعوا مَعِي هذا الدليلَ المفحِمَ على أنَّ الله لا يتغيّرُ وهُوَ أنَّ إبراهيمَ الخليلَ عليهِ السَّلامُ لما رَأَى الكوكبَ قالَ لقومِه الذينَ يعبدونَ الكواكبَ مِنْ دونِ الله وكانَ قولُه هذَا رَدًّا عليهِمْ وحُجَّةً أقامَها عليهِمْ قالَ لهُمْ: }لا أُحِبُّ الآفِلِينَ{ [سورة الأنعام] أَفْهَمَهُمْ أنَّ هذا الكوكبَ لا يستحقُّ العبادةَ لأنّهُ يأفُلُ يعني يغيبُ يعني يتغيَّرُ مِنْ حَالٍ إلى حَالٍ يعني محتاجٌ لمنْ يغيّرُهُ والمحتاجُ عاجزٌ والعاجِزُ لا يَصِحُّ في العَقْلِ أنْ يكونَ إلها. كثيرٌ مِنَ الناسِ لا يعلَمُ مَعْنى الآيةِ }اللهُ الصَّمَدُ{ أيِ الله لا يحتاجُ إلى غيرهِ، هوَ المستَغْني عَنْ كُلّ مَا سواهُ، المفتقرُ إليهِ كلُّ مَا عَداهُ، فَربُّنا يُغَيِّرُ ولا يَتَغَيَّرُ، كانَ قبلَ المكانِ بِلا مَكَانٍ، وبعدَ أنْ خَلَقَ المكانَ هوَ موجودٌ بِلا مَكَانٍ.
وهُنا سأقِفُ وَقْفَةً لأقولَ إنَّ بلالاً الحبشيَّ مؤذّنَ رسولِ الله تعرَّضَ للضرْبِ والجَلْدِ والإهانةِ، وأَبى إلا أنْ يقولَ أَحَدٌ أَحَدٌ، أَحَدٌ أَحَدٌ، ونحنُ نُعَلّمُ هذهِ العقيدةَ الحقَّةَ، هذهِ العقيدَةَ المحمَّدِيَّةَ الأشعريّةَ، ونأبى إِلا أَنْ نقولَ: الله موجودٌ بِلا مَكانٍ، الله موجودٌ بِلا مَكانٍ، والله تعالى لا يمكن تصويرُه في القلبِ لأنه لا شبيهَ له في الموجوداتِ. فقدْ قالَ الإمامُ أحمدُ بنُ حنبلٍ رضيَ الله عنهُ: “مهمَا تصوَّرْتَ ببالِكَ فالله بخلافِ ذلكَ” أيْ لا يُشبهُ ذلكَ.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
فإنْ قالَ لكَ مشبّهٌ مجسّمٌ: كيفَ نعبُدُ مَا لا نستطيعُ أنْ نتصوَّرَهُ. فقل له: يا جاهل، ومن قال لك إنَّ مِن شرطِ الإيمانِ التصور؟ يا جاهل أليس في المخلوقِ مَا لا نستطيعُ أنْ نتصوَّرَهُ لكنناْ نؤمنُ بهِ وجوبًا، وهُوَ أنَّ النورَ والظلامَ لم يَكونا، فَلا يستطيعُ أحدٌ مِنَّا أن يَتصوَّرَ في نفسِهِ كيفَ يكونُ وقتٌ ليسَ فيهِ نورٌ ولا ظلامٌ، ومعَ هذا واجبٌ علينا أنْ نؤْمِنَ بأنّهُ مضَى وقتٌ لم يكنْ فيهِ نورٌ ولا ظلامٌ لأنَّ الله تعالى قالَ }الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ السَّموَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ{ [سورة الأنعام] أيْ خَلَقَ الظلماتِ والنورَ، أيْ أَوجَدَ الظلامَ والنّورَ بعدَ أنْ كانَا معدومَين، فبالأولى فالله الذي قالَ عنْ نفسِهِ }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ{ لا يُتصوَّرُ في الوَهْمِ ولا تحيطُ بهِ العقولُ.
قل له: يا جاهل: كيف تطلب تصور الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا فكرة في الربّ. يا جاهل: كيف تدعي أنك تابع للإمام أحمد بن حنبل، وتطلبُ تصور الله، والإمام أحمد يقول: “مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك؟ أحبابنا الكرام، يا حُرَّاس عقيدةِ رسول الله: احفظوا هذه الردودَ والأدلةَ حتى تكون حجتكم قويةً وواضحةً وأنتم تدافعون عن عقيدةِ التوحيد، عقيدة الأنبياء والمرسلين.
أيُّها الأحبّةُ المسلمونَ الصائمونَ (في حال كانت الخُطبة في شهر رمضان المبارك) إنَّ ممّا يُفسِدُ الصيامَ الوقوعَ في الردَّةِ والعياذُ بالله ولَوْ كانَ جَادًّا أوْ مازِحًا أوْ غَضبانَ، وأُذَكّرُكُمْ بأنْ تكْسروا أنفسَكُمْ وتمنعُوهَا مِنَ الغضَبِ والتوتُّرِ في أثناءِ الصّيَامِ.
والردَّةُ هيَ قَطْعُ الإسْلامِ إمَّا بقولٍ أوْ بفعْلٍ أوْ باعتقادٍ. إمَّا بقولٍ كسَبّ الله أوْ نبيّ أوْ مَلَكٍ كسيّدِنَا عَزرائيلَ عليهِ السلامُ.
أوْ بفعْلٍ كرَمْيِ المصحفِ في القاذوراتِ أو باعتقادٍ كاعتقادِ أنَّ الله جسْمٌ والعياذُ بالله.
ومَنْ كانَ وقعَ في شىءٍ مِنْ هذا لا يعودُ إلى الإسلامِ إلا بالشهادتين أَشهَدُ أنْ لا إله إلا الله وأشهَدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ الله.
أمَّا مَنْ بقيَ على الكفْرِ والضلالِ على غير الإيمانِ فهذا لا صيامَ لهُ. اللهمَّ لا تجعَلْ مصيبتَنا في دِينِنا، اللهمَّ إنّا نسألُكَ حبَّكَ وحُبَّ مَنْ يحبُّكَ والعمَلَ الذي يبلّغُنَا حُبَّكَ، اللهمَّ اجعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إلينا مِنْ أنفُسِنا وأهْلِنَا والماءِ الباردِ، اللهمَّ اقْبَلْ مِنَّا صيامَنا وقيامَنا وركوعَنا وسجودَنا يا رَبَّ العالمين يَا الله. هذا وَأَستغْفِرُ الله ليْ ولَكُمْ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهْدِيهِ ونشكُرُه ونعوذُ بالله مِنْ شرورِ أنفسِنا وسيّئاتِ أعْمَالِنا مَنْ يَهْدِ الله فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِيَ لهُ. عبادَ الله أُوصِيْ نفسِيَ وإيّاكمْ بتقْوَى الله العَليّ العظيمِ.
لا شَكَّ إخْوةَ الإيمانِ أنَّ هناكَ الكثيرَ مِنْ عِلْمِ العقيدةِ يجبُ على كُلّ مسْلمٍ بالغٍ أَنْ يتعلَّمَهُ، لذلكَ احرصُوا على حضورِ هذهِ المجالسِ التي تُقامُ في هذا المسجدِ (أوِ المصَلَّى).
فوالله الواحدُ مِنَّا لا يقوَى على جمرةٍ مِنْ جمراتِ الدنيا، كيفَ يقوَى على نارٍ وَقودُها الناسُ والحجارةُ؟ اللهمّ أجِرْنا منها يا رَبَّ العالمينَ. فوقايةُ النفسِ والأهْلِ مِنْ هذهِ النارِ تكونُ بتعلُّمِ ما أوجَبَ الله علينا معرفتَه مِنْ عِلْمِ الدِينِ.
واعلَموا أنَّ الله أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيه الكريم فقال }إِنَّ الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {اللهمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، اللهمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللهمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا اللهمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسَنةً وفي الآخِرَةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ اللهمَّ اجعلْنا هُداةً مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ اللهمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّفُ.
عبادَ الله }إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{ . اذكُروا الله العظيمَ يذكرْكُمْ واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.