إنّ الحمدَ للهِ نَحمدهُ ونستغفرهُ ونَستعينهُ ونستهديهِ ونشكرهُ، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفُسنا ومن سيّئاتِ أعمالنا، من يهدِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له.
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ سيّدَنا محمّدا عبدهُ ورسوله وصفيّه وحبيبه صلى الله وسلّم عليه وعلى كل رسولٍ أرسلَهُ.
أما بعد، فيا عبادَ الله أوصيكم ونفسيَ بتقوى الله العليّ العظيم القائلِ في محكمِ التنْزيلِ: }وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَءايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ{ [سورة التوبة].
فلا شكَّ إخوةَ الإيمانِ أَنَّ مَنْ شتمَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أو حقّرهُ أو نَسَبَ إليه الرذائلَ والعياذُ بالله فهذا ليس بمسلمٍ عند الله تعالى.
وإنّ في خُطبتنا اليومَ أدلةٌ لتبرئةِ سيّدِ المرسلينَ من افتراءاتِ بعض المفترينَ، الذين لوثوا ألسنتَهم بكلامٍ قبيحٍ نسبوهُ لرسولِ الله عند سماعِهِم أنه عَدَّدَ الزوجات. ذاك النّبيّ العظيمُ الذي دخلَ يومًا إلى حجرةِ عائشَة، فدخل في الفراشِ فمَسَّ جسدُهُ جسدَ عائشةَ رضيَ الله عنها فقال صلى الله عليه وسلم لها: “ذريني أتعبدُ ربي” ثم قامَ وتوضأَ وصلى، فقامَ فبكى فابتلت لحيتُهُ، فركعَ فبكى، فسجدَ فبكى، فابتل الترابُ الذي بمحاذاتهِ صلى الله عليه وسلم، فقالت عائشةُ: لِمَ هذا يا رسولَ الله وقد غفرَ الله لك ما تقدمَ من ذنبكَ وما تأخَّر؟ فقال: “أفلا أُحِبُّ أن أكونَ عبدًا شكورًا”.
وقد روى مسلمٌ في صحيحهِ عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: “ما كانت تمرُّ ليلتي على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلا خَرجَ إلى البقيعِ (جبانة المدينة) يدعو لأهلِ الجبانة” مع ما اجتمعَ في عائشةَ من حداثةِ السنِ والجمالِ.
فبالله عليكم بعد هذا هل يكون صلى الله عليه وسلم ولوعَ القلبِ بالنساءِ؟! حاشاه، حاشاكَ يا سيدي يا رسولَ الله، فوالله ثُمَّ والله إنه لشرفٌ لي أن أُعَطِرَ لساني بذكركم يا سيدي وبذكرِ خِصالِكُم الشريفةِ.
إخوةَ الإيمانِ، رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تزوجَ بعد أن صارَ عمرهُ خمسةً وعشرينَ عامًا، تزوجَ من السيدةِ خديجةَ بنتِ خويلد التي كانت أكبرَ منه بخمسَ عشرةَ سنةً، وبقي صلى الله عليه وسلم على زوجةٍ واحدةٍ حتى ماتت بعد خمسٍ وعشرينَ سنةً يعني كان قد وصلَ عليه السلام إلى سنِ الخمسينَ. فلو كان ولوعًا بالنساءِ لاختارَ الفتياتِ الأبكارَ وهو في سنِ الخمسةِ والعشرينَ ولكنه لم يُعَدّدْ إلا بعد الخمسينَ ولم يتزوج بِكرًا قطُّ غير عائشةَ رضي الله عنها.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم لم يظهر منه رذيلةٌ واحدةٌ ولم يطعن فيه أحدٌ، فحين أعلنَ دعوتهُ لم يطعن فيه أحدٌ بأمورِ النساءِ مع العلمِ أنه أجملُ الناسِ، ودعا أهلَ بلدهِ إلى عبادةِ الله وتركِ ما كانوا يعبدونَ من الأوثانِ، وكان معروفًا بين أهلِ مكةَ بالصادقِ الأمينِ، فلماذا إذن عدد رسول الله صلى الله عليه وسلم الزوجات؟ إخوة الإيمان لقد عدّدَ الزوجاتِ صلى الله عليه وسلم لحكمٍ عِدَّةٍ، منها: أنه جَمَعَ شتاتَ القبائلِ بالمصاهرةِ، وأن تنتشِر دعوتهُ بطريقِ النساءِ إلى النساءِ، فإن أحكامَ الشرعِ الخاصة بالنساءِ يسهلُ انتشارها بينهنَّ لبعضٍ أكثرَ مما لو كان بطريقِ الرجالِ إليهن وذلك كأحكام الحيضِ والنفاسِ.
ثم إن نظرنا إلى دعوةِ النبيّ العظيمِ صلى الله عليه وسلم وإلى الدولةِ التي أقامها وأسسها حتى امتدت امتدادًا عظيمًا فبعد هذا من الذي يقولُ إن هذا عملُ رجلٍ مشغول بالدنيا وشهواتِها وإنَّ الذي شغلَه المرأةُ؟ أيُّ عاقلٍ منصفٍ يقولُ إن هذا عملُ رجلٍ منشغلٍ بالنساءِ وبملذاتِ الدنيا؟ فقد وردَ عن أحدِ أصحابهِ صلى الله عليه وسلم أنه قال: “اضطجعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على حصيرٍ فأثّر الحصيرُ بجلدهِ، فجعلتُ أمسحهُ عنه وأقولُ: بأبي أنت وأمي يا رسولَ الله، ألا أذِنتَنا فنبسطَ لك شيئًا يقيكَ منه تنامُ عليه، فقال: “ما لي وما للدنيا، ما أنا في الدنيا، إلا كراكبٍ استظلَّ تحت شجرةٍ ثم راحَ وتركها” رواه الترمذي.
عدّدَ الزوجاتِ لا لإشباعِ الشهوةِ بل لحكمٍ تعودُ إلى مصالحِ دعوته، فخصهُ الله تعالى دونَ أمتهِ بأن أباحَ له أن يجمعَ بين أكثرَ من أربعٍ.
ومما يدلُ على ذلك أيضًا أن شخصًا عرضَ عليه ابنتَهُ ليتزوجَ منها ووصفَها بالجمالِ وقال إنها لم تمرضْ قَطُّ، فقال له الرسولُ عليه الصلاة والسلامُ: “لا حاجةَ لي فيها”.
فلو كان متعلقَ القلبِ بالنساءِ لم يفوت عليه هذه الفرصةَ. ثم هؤلاء المفترونَ نَسُوا أن النبيَّ الذي وصفوهُ بما هو نعتُهم وشُغْلُهم الشاغلُ من الارتماءِ بأحضانِ النساءِ، والإكثارِ من الخمورِ، والأكلِ الدسمِ الذي يقوي الشهوةَ، كان أحيانًا لا يَشبعُ في بعض أيامهِ من خبزِ الشعيرِ، وأحيانًا من التمرِ والماءِ فقط، فلو كان متعلق القلب ـ كما زعموا ـ لما فَوَّتَ على نفسه هذه الفرصة! والحقيقةُ ـ إخوةَ الإيمان ـ أنَّ ما نسبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بعض نعتهم الدنيء، وغيضٌ من فيضِ أحوالهم وسيرتهم، فهم مَنْ يرتمي بأحضان النساء، أَسْرَى لبريق الشهوات، سَكْرى من الخمور ووصال الغانيات!
وقد قال الشاعر:
وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ فهي الشهادة لي بأني كامِلُ
إنا نقول لهؤلاء المفترين الحاقدين الغارقين في شهوات الدنيا الدنيئة: لقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سيدَ الزاهدين المتواضعين، فقد كان عليه الصلاة والسلام لا يَشْبع ـ أحيانًا ـ من خبز الشعير، وأحيانًا من التمر والماء فقط، ولله دَرُّ البوصيري إذ يقول:
وراوَدَتْه الجبالُ الشُّمُّ مِنْ ذَهَبٍ عَنْ نفسه فأراها أيَّمَا شَمَمِ
وإني أحمدُ الله تعالى الذي وفقنا لهذا البيانِ لتبرئةِ سيدِ المرسلينَ من افتراءاتِ بعض المفترينَ.
هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للَّه نحمَدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهْدِيهِ ونشكُرُه ونعوذُ بالله مِنْ شرورِ أنفسِنا وسيّئاتِ أعْمَالِنا مَنْ يَهْدِ الله فَلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِيَ لهُ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله.
عبادَ الله أُوصِيْ نفسِيَ وإيّاكمْ بتقْوَى الله العَليّ العظيمِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ: }وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ{ [سورة الأعراف] أي وَسِعَتْ رحمةُ الله في الدنيا كلّ مؤمنٍ وكافرٍ، أمّا في الآخرةِ فقد جَعلها الله خاصّةً بالمؤمنينَ.
لذلك إنّ الترحّمَ على الكافرِ في حالِ حياتهِ جائزٌ لأنّه يجوزُ أن يهتديَ فيسلمَ فيموتَ على الإسلامِ، أمّا إذا ماتَ على حالةِ الكفرِ فقد فاتهُ الإيمانُ، فلا يجوزُ الترحّمُ عليه بعد موتهِ.
فمن قال لمن ماتَ على الكفرِ: (الله يرحَمُهُ) بقصدِ أن يريحَهُ في قبرهِ فقد خرجَ عن دينِ الله. فمن ماتَ على غير الإيمانِ، على غير الإسلامِ، لا يجوزُ القولُ اللهمّ اغفرْ له أو اللهمّ ارحمهُ؛ لأنّ الله أخبرَ في القرءانِ العظيمِ أنّه لا يغفرُ للكافرِ فقال عزَّ وجلَّ: }إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا{ [سورة النساء] فمن كنتَ تَسمعُهُ في الدنيا يسبُّ الله أو الأنبياءَ أو يستخفُّ بالملائكةِ، أو كان يَعتقدُ أنّ الله جسمٌ أو ضوءٌ، أو وقَعَ في غير ذلك من الكفرياتِ، ثمّ بلغَكَ أنّه ماتَ على ذلك فليس لك أن تترحّمَ عليه بقولِ: الله يرحمهُ، والعلماءُ ذكروا في كُتُبِهم أنّ من ماتَ على الكفرِ لا يُصلَّى عليه، أي لا تجوزُ الصلاةُ عليه، ولا يُدفنُ في مقابرِ المسلمينَ أي لا يجوزُ دفنهُ في مقابرِ المسلمينَ، فاحرصْ أخي المسلمَ على تعلّمِ علمِ الدِين، واخرجْ بهذا العلمِ إلى أقربائِكَ إلى أرحامِكَ، وعلّمهُم وانصَحْهُم لوجهِ الله الكريمِ فالحزنُ كبيرٌ كبيرٌ جدًّا إذا ما بلغَكَ عن أحدِ أقربائِكَ أنّه ماتَ على غير الإيمانِ أو أنه بسببِ جهلهِ بعلمِ الدِينِ كان يتلفّظُ بعباراتٍ كفريّةٍ والعياذُ بالله، اللهمّ أحسن لنا ختامنا يا ربَّ العالمينَ.
واعلَموا أنَّ الله أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ أمرَكُمْ بالصلاةِ والسلامِ على نبيه الكريم فقال }إِنَّ الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {اللهمَّ صَلّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، يقول الله تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ{.
اللهمَّ إنَّا دعوناك فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفرِ اللهمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافنا في أمرنا اللهمَّ اغفرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ ربنَا ءاتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقنا عذاب النار اللهم اجعلنا هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين اللهمَّ استر عوراتِنا وءَامِن رَوعاتِنا واكفِنا ما أهمَّنا وقِنا شرَّ ما نتخوف.
عباد الله }إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {[سورة النحل] وأقم الصلاة.