إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِ الله فلا مُضلّ له ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ ولا مثيل ولا شبيه له، وأشهد أن سيدنا محمّدًا عبده ورسوله، مَن بعثَه اللهُ رحمةً للعالمين هاديًّا ومبشرًا ونذيرًا بلّغَ الرسالةَ وأدى الأمانةَ ونصحَ الأمّة وجاهد في الله حق جهاده فجزاهُ اللهُ عنا خيرَ ما جزَى نبيًّا من أنبيائه، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى ءال سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى ءال سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى ءال سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى ءال سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعدُ عبادَ الله، فإني أوصي نفسي وإياكم بتقوى اللهِ العلي العظيم والعملِ بشريعتِهِ والاستِنَانِ بِسُنَّةِ نبِيِّهِ صلّى اللهُ عليه وسلم. واعلموا أن الله عزَّ وجلَّ يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} [سورة التوبة: ءاية 119].
إخوةَ الإيمان، إنَّ الله سبحانَه وتعالى قد أمرنا بفعل الخير ونهانا عنِ الشرِّ، وكذا رسولُه الكريمُ فقد أَرسَلَهُ ربنا مُعلِّمًا النَّاسَ الخيرَ داعيًا لهم إلى مَكَارِمِ الأّخلاقِ ومحاسِنِها كما قالَ عليه الصلاةُ والسَّلام: “إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكارمَ الأخلاق” [السنن الكبرى للبيهقي].
وإنَّه مِنْ عَظيمِ الصِّفاتِ التي أمرَ اللهُ تعالى بها وحثَّ عليها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصِّدقُ، ومِن أَخْبَثِ الصِّفاتِ التي نَهَى عَنْهَا الكَذِبُ.
فقد روى الإمامُ مسلمٌ في صَحيحِهِ عَنْ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رضي الله عنه أنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “عليكم بالصِّدقِ فإنَّ الصِّدقَ يَهدِي إلى البِرِّ وإنَّ البِرَّ يَهدِي إلى الجنة، وما يَزَالُ الرجل يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِدْقَ حتى يُكتَبَ عِندَ اللهِ صِدِّيقًا، وإيَّاكم والكَذِبَ فإنَّ الكذِبَ يَهدِي إلى الفجورِ (أي هو وسيلة إلى ذلك، أي طريقٌ يوُصل إلى ذلك) وإنَّ الفجورَ يهدِي إلى النَّارِ وما يزالُ الرجل يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الكَذِبَ حتى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّابًّا”.
قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَىَ الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَىَ الْجَنَّةِ، وإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَىَ الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَىَ النَّارِ). قال العلماء: معناه: إن الصدق يهدي إلى العمل الصالح الخالص من كل مذموم، والبر اسم جامع للخير كله. وأما الكذب فيوصل إلى الفجور، وهو الميل عن الاستقامة. وقيل: الانبعاث في المعاصي.
وفي رواية: (عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَىَ الْبِرِّ، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ). قال العلماء: هذا فيه حث على تحري الصدق وهو قصده والاعتناء به، وعلى التحذير من الكذب والتساهل فيه، فإنه إذا تساهل فيه كثر منه فعرف به، وكتبه الله لمبالغته صديقًا إن اعتاده، أو كذابًا إن اعتاده.
ومعنى (يُكْتَب) هنا يحكم له بذلك ويستحق الوصف بمنزلة الصديقين وثوابهم أو صفة الكذابين وعقابهم.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
والمراد: إظهار ذلك للمخلوقين إما بأن يكتبه في ذلك ليشتهر بحظه من الصفتين في الملأ الأعلى، وإما بأن يلقى ذلك في قلوب الناس وألسنتهم كما يوضع له القبول والبغضاء وإلا فقدر الله تعالى وكتابه السابق قد سبق بكل ذلك، والله أعلم. اهـ
والكذب إخوة الإيمان وهو ما نريد بسط الكلام فيه، هو الكلام على خلاف الواقع إذا كان يعلم أنه بخلاف الواقع، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم ورهّب من الكذب لأنه يوصل إلى الفجور وهو الميل إلى الفساد والشرور. وإذا تكرر الكذب أصبح عادة وطبيعة يصعب الخلاص منها وعندها يُكتب الإنسان كذابا، نسأل الله تعالى أن يجعلنا مع الصادقين.
والكذِبُ إخوةَ الإيمان منه ما هو منَ الكبائرِ ومنه ما يكونُ منَ الصغائرِ ومنه ما يكونُ كفرًا والعياذُ باللهِ تعالى. فإنْ كانَ الكذِبُ لا ضررَ فيه لمسلمٍ فهو مِنَ الصغائر، والصغيرةُ لا يُتَهَاونُ بها، لأنَّ الجبالَ مِنَ الحصىَ. فقد رَوَى أَحْمَدُ وَالطَّبَرانِيّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قال: “إِيَّاكُمْ وَمَحَقَّرِاتِ الذُنوبِ فَإنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُنُوبِ كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا بَطْنَ وَادٍ فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى حَمَلُوا مَا أَنْضَجُوا بِهِ خُبْزَهُم وَإنَّ مُحَقِّرَاتِ الذُنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ” والمراد بالْمُحَقّرَاتِ الصَّغَائِرُ. ودلّ الحديث الشريف على أنَّ الصَّغَائِرَ أَسْبَابٌ تُؤَدِي إِلى ارْتِكابِ الكَبَائِرِ، فَكَمْ مِنْ صَغِيرَةٍ يَحْقِرُهَا فَاعِلُهَا فَيَفْعَلُهَا فَتَسُوقُهُ إِلى كَبِيرَةٍ، وقد تسوقه إلى الكفر، ولذا قال بعضُ السلف: ”المعاصي بريدُ الكفر كما أن الحمى بريد الموت“ (شعب الإيمان للبيهقي). عافانا اللهُ تعالى من كل الشّر.
وأما إنْ كانَ الكذبُ فيهِ ضررٌ يَلحَقُ مسلمًا فهو مِنْ كبائرِ الذُّنوبِ والعياذُ بالله تعالى. وَمِنَ الكَذِبِ القَبيحِ الكذِبُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فإنه فاحشة عظيمة وموبقة كبيرة، ولا فرق في تحريم الكذب عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بين ما كان في الأحكام، وما لا حكم فيه كالتَّرغيب والتَّرهيب والمواعظ وغير ذلك، فكلُّه حرام من أكبر الكبائر وأقبح القبائح، بإجماع المسلمين. وقد قالَ عليه الصلاةُ والسَّلام: “إِنَّ كَذِبًا عَليَّ لَيسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَد، فَمَنْ كَذَبَ عَليَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ” رواه الشيخان.
وإذا كانَ في هذا الكذِبِ تحليلُ مُحرَّمٍ بالإجماعِ مَعْلُومٍ مِنَ الدِّيْنِ بالضَّرُورَةِ مما لا يَخْفَى عليه كالزِّنَى واللواطِ وَالقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ والغَصْبِ أو تحريمُ حَلالٍ ظَاهِرٍ كذلك كالبيعِ والنِّكاحِ فهو كفرٌ والعياذُ بالله تعالى، كما يَفْتَرِي بَعْضُهُم لِيُضْحِكَ الناسَ فيقول قال الله تعالى: ”إذا رأيتَ الأَعمَى فَكُبَّهُ على وَجْهِهِ إِنَّكَ لستَ أَكْرَمَ مِنْ رَبهِ” فهذا كفرٌ والعياذُ بالله مِنْ ذلك.
واعلَمُوا إخِوةَ الإيمانِ أنَّ الكذِبَ سواءٌ قاله مازِحًا أو جادًّا حرامٌ، إن أرادَ أن يُضحَكَ القوم أم لا، فهذا حرام، قال عليه الصلاة والسلام عنِ الكَذِبِ: “لا يَصْلُحُ الكَذِبُ في جِدٍّ ولا هَزْلٍ” (رواه ابن أبي شيبة في مصنفه). وقال عليه الصلاة والسلام: “وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ القَوْمَ ثم يَكْذِبُ لِيُضْحِكَهُم وَيْلٌ لَهُ ووَيْلٌ لهُ” (رواه أحمد في مسنده).
فمما ينبغي أن يُحَذَّرَ منه إخوةَ الإيمانِ ما يُسمِّيهِ بعضُ الناسِ كَذْبَةَ أوَّلِ نَيسان فالكَذِبُ المحرَّمُ حرامٌ في أولِ نيسان وفي غَيرِه. ويحصُلُ فيه وفي كثيرٍ مِنَ الأَحيانِ تَرويعٌ للمسلمِ فيقولُ له الكاذبُ مَثلاً إنَّ ابنَكَ ماتَ أو حَصَلَ مَعَ زَوجَتِكَ كذا وكذا، فيُخِيفُهُ وَيُرَوِّعُهُ والعياذُ بالله تعالى، وفي مُسندِ الإمامِ أحمدَ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى نَبْلٍ معه فأخذها فلما استيقظ الرجل فزع، فضحك القوم فقال: ما يضحككم؟ قالوا: لا إلا أنا أخذنا نبل هذا ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يحلُّ لمسلمٍ أنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا” اهـ.
فالكَذِبُ أيها الأحبة لا يَصْلُحُ في جِدٍّ ولا في هَزْلٍ أي مَزْحٍ ولو كان المقصَدُ إضحاكَ الحاضرين ولو لم يَكُنْ فيهِ إيذاءٌ للنَّاسِ فهو حرام ولقد قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلم: “إِنِّي لأَمْزحُ وَلا أَقُولُ إلا حَقّا” (رواه الطبراني في المعجم الكبير). فَأَخبَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حَدِيثِهِ هذا أَنَّهُ يمزَحُ ولكِنْ لا يَقُولُ إِلا حَقًّا أي أنَّ الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم لا يَكْذِبُ.
كما ونحذِّرُكُم مِن قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ ”الكَذِبُ مِلْحُ الرِّجال” وقولِ بعضٍ ”وَعَيْب على اللي بِيُصْدُق” فإنهما من الكفرِ الصريح لأن الأول فيه استحسان لما هو معلوم بين المسلمين قُبْحُهُ في الدين وفي الثاني استقباحٌ لما هو معلوم حسنه في الدين فكلاهما يلزم منه تكذيب الدين والعياذ بالله تعالى.
فَاحذَرُوا مِنَ الكَذِبِ إخوةَ الإيمان وحَذِّرُوا مِنْه فإنَّهُ عادَةٌ خبيثةٌ إنْ دَلَّتْ على شيءٍ فإنها تَدُلُّ على خُبْثِ طَبْعِ صاحِبِها فاَّتقُوا اللهَ وَكُونوا معَ الصَّادِقين.
اللهمَّ احْفَظْنَا مِنَ الكذِبِ والحرَامِ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِين.
هذَا وأستَغْفِرُ اللهَ لي ولكم.