الحمد للهِ الذي لا يموت والجنُّ والإنسُ يموتون، الذي خلق الموتَ والحياة ليبلوكم أيكم أحسنُ عملًا وهو العزيز الغفور، صلوات الله وسلامه على سيدنا محمدٍ طِبِّ القلوب ودوائها وعافيةِ الأبدان وشفائها ما لاح بدرٌ في الدُّجى وأضاءت شمسٌ في الضُّحى وعلى ءاله وأصحابه وكل نبي مجتبى.
أما بعد فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله القائل في محكم كتابه: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [سورة آل عمران: ءاية 144] وقال تعالى مخاطبًا نبيه المصطفى في القرءان الكريم: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [سورة الزمر: ءاية 30] أي إنك ستموت وهم سيموتون.
إخوةَ الإسلام حريٌّ بنا أن نتكلم عن وفاةِ سيد الأمة وقائدها من أرسله الله للناس هدىً ورحمةً فهذا يُذكرنا بأن الدنيا دارُ ممر والآخرة دارُ مقرٍّ وبأن الموت حقٌّ قد كتبه الله على العبادِ، فأفضلَ العبادَ قد ماتَ ولا بدّ لكل واحد منا أن يموت.
أبتدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم صُداعٌ في بيت السيدة عائشة، قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي بُدئ فيه مرضه، فقلتُ: وارأساهُ قال “بل أنا وارأساه” ثم اشتدّ أمرهُ في بيت ميمونة واستأذنَ نساءَهُ أنْ يُـمَرَّضَ في بيت عائشة فأَذِنَّ له، وكانت مدة مرضه اثني عشر يومًا وقيل أربعة عشر يومًا.
قالت عائشة: ثَقُلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أصلَّى الناس؟ فقلتُ: لا هم ينتظرونك يا رسول الله، فقال: ضعوا لي ماء في الـمِخضَبِ، ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينهضَ فأغمي عليه ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا هم ينتظرونك يارسول الله، قالت: والناسُ عكوفٌ في المسجد ينتظرون رسول الله لصلاة العشاء، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر ليُصلي بالناس وكان أبو بكر رجلًا رقيقًا فقال: يا عمر صلّ بالناس، فقال: أنت أحقُّ بذلك، فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خفَّ عنه المرض فخرج بين رجلين، أحدهما العباس، لصلاة الظهر فلما رءاه أبو بكر ذهب ليتأخر أي ليرجع عن الإمامة في الصلاة بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ إليه أن لا يتأخر وأمرهما فأجلساهُ إلى جنبهِ فجعل أبو بكر يصلي قائمًا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي قاعدًا.
ولما ثقُل رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلَ يتغشاهُ الكربُ، فقالت فاطمة رضي الله عنها: واكرباهُ لكربكَ يا أبتاه فقال لها: ليس على أبيكِ كربٌ بعد اليوم.
وأتت ساعة الفراق فراق الحبيب المصطفى لأهله وأصحابه .
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
أتتصورون إخوة الإيمان حالَ ءالِ البيت والصحابةِ إثر هذه المصيبة حين يقال مات رسول الله…
نعم مات رسول الله ….
مات الذي أقسم الله بحياته في القرءان…
مات الذي قال الله عنه بالمؤمنين رؤوف رحيم…
مات الذي أضاء الدنيا بطلعته البهية…..
مات أحسَنُ الناس خَلْقًا وخُلُقًا…
إن كان هذا الحزن يختلج قلوبنا بذكر وفاته ونحن لم نصحبه فكيف بمن رءاه ومسَّ كفَّهُ وسَمِعَ صوتَهُ وكلَّمَهُ وصاحَبَهُ…
أيُّ مصيبةٍ هذه التي وقعت عليهم؟
كيف كانت حالك يا أبا بكر وأنت تدخل على صاحبك وقد فارق الدنيا.
وأنت يا عمر ما صدقت الخبر ابتداءً وحين تيقنت ما حملتك رجلاك.
لا نعجب مما أصاب الصحابة بفراق أعزِ الناس وأجلِ الناس وأحسنِ الناس محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
إن كان الجذعُ اليابسُ أنَّ لفراقه فلا نعجب مما حصل لأصحابه….
ولا نعجب مما يصيب المسلمين وبالخصوص أهل التقوى والاستقامة أحبابه الذين ذكر أنه يشتاق إليهم وللقائهم عند ذكره وذِكر وفاته صلى الله عليه وسلم.
الصلاة والسلام عليك يا حبيبَنا.
الصلاة والسلام عليك يا قرةَ أعيننا.
الصلاة والسلام عليك يا طبَّ قلوبنا.
الصلاة والسلام عليك يا ضياءَ أبصارنا.
يا أحباب رسول الله، لما ماتَ حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، قالت فاطمة رضي الله عنها: يا أبتاهُ، أجابَ ربًّا دَعاهُ، يا أبتاه، جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل أنعاهُ، وقام عمر بن الخطاب فقال: إن رجالًا يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفي وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات، وأقبل أبو بكر حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبرُ، وعمر يُكلم الناس، فلم يلتفت إلى شىء حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مُسَجَّى في ناحية البيت عليه بُرْدٌ، فأقبل حتى كشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبَّله، ثم ردّ البُرد على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج وعمر يكلم الناس فلما رءاه أبو بكر لا يُنْصِتُ أقبل على الناس، فلما سمع الناسُ كلامَ أبي بكر أقبلوا عليه وتركوا عمر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: “أيها الناس إنه من كان يعبد محمدًا فإنَّ محمدًا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت”، ثم تلا هذه الآية {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [سورة آل عمران: ءاية 144] فلما تلاها لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ وأخذها الناسُ عن أبي بكر فإنما هي في أفواههم.
قال عمر: واللهِ ما هو إلا أن سمعتُ أبا بكر تلاها حتى وقعتُ إلى الأرض ما تحملني رجلايَ وعرفتُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات.
وأجمع القومُ لغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسندهُ عليٌّ إلى صدره عليه قميصه، وكان العباس والفضل وقُثَم يقلبونه مع علي، وكان أسامة وصالح يصبان الماء، وجعل عليٌّ يغسله، ولم يُرَ مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيءٌ مما يرى من الميت، وعليٌّ يقول: بأبي وأمي ما أطيبك حيًّا وميتًا.
صدقت يا عليّ ما أطيبك حيًّا وميتًا يا رسول الله.
وكُفِّنَ بثلاثة أثواب بيضٍ ووضع على سريره، ثم دخل الناسُ أرسالاً يصلون عليه فوجًا فوجًا لا يَؤُمُّهُم أحدٌ.
ولم يدرِ الصحابةُ أين يدفن النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال أبو بكر رضي الله عنه: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لم يقبر نبي إلا حيث يموت” فأخَّروا فراشهُ وحفروا له تحت فراشه، ونزل في حفرته العباسُ وعلي والفضلُ وقثم وشُقْران، ودُفِن في اللحد وبُني عليه في لحده اللبِنُ ثم أهالوا عليه التراب، وجُعل قبره عليه الصلاة والسلام مُسطحًا ورُشَّ عليه الماء رشًّا.
لما دفن رسول الله قالت فاطمة: “يا أنسُ أطابت أنفسُكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب؟!”
يا خير من دُفنت بالقاعِ أعظُمُهُ فطابَ مِنْ طيبهنَّ القاعُ والأكمُ
نفسي الفِداءُ لقبرٍ أنت ساكِنُهُ فيهِ العفافُ وفيه الجودُ والكرمُ
أنتَ النّبيُّ الّذي تُرجى شفاعتهُ عند الصّراطِ إذا ما زلَّتِ القدمُ
صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات لكنْ عزاؤنا أنه صلى الله عليه وسلم حَيٌّ في قبره…. عزاؤنا أنه يسمَعُ سلامَ من يسلم عليه…. عزاؤنا أنه تُعْرَضُ عليه أعمال أمته فإن وجدَ خيرًا حَمِدَ الله وإن وجد غير ذلك استغفر لنا… عزاؤنا أن قبره صلى الله عليه وسلم مَزارٌ يقصده المؤمنون الولهون بحبه والراجون شفاعته يوم القيامة وهو القائل : “من زار قبري وجبت له شفاعتي” اهـ. عزاؤنا فيه أن نهجه في قلوبنا وسنبقى عليه بإذن الله ما حيينا.
فاثبُت على نهج النبي ولا تَـحِد فبِنَهجِه تَرقى الشّعوب والدُّوَل
واعمل بشرع المصطفى تعد تجد في جنة ذاك الجزاء على العمل
أقبِل لِفعلِ الـمَكْرُمات بها اعتضد واحذر فتورًا أن يصبك أو ملل
ذاك الصراط وكلنا حتما يَرِد يا من خشيت عبوره دع ذا الكسل
فاعمل أخي المؤمن لآخرتك حتى تكون مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، وأكثر من الصلاة عليه فإن الصلاة عليه نورٌ وضياء. صلى الله عليه كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.
اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ونجنا في الآخرة بفضلك يا أرحم الراحمين.
هذا وأستغفر الله لي ولكم.