إنَّ الحمدَ للهِ نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونشكُرُهُ ونستغفِرُهُ ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنْفُسِنَا ومِنْ سَيّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا شبيه ولا مثل ولا ند له، ولا حد ولا جثة ولا أعضاء له. واشهدُ أنَّ سَيِّدِنَا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقُرّة أعيُننا محمّدًا عبده ورسولُهُ وصفيُّهُ وحبيبُهُ، من بعثه الله رحمة للعالمين هادًيا ومبشرًا ونذيرًا. اللهم صلّ وسلم على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين.
أما بعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي العظيم القائل في محكم كتابه: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ والْفُؤَادَ كَلُّ أُوْلَــــئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسئُولًا وَلاَ تَمْشِ في الأرْضِ مَرَحًا إنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الجِبَالَ طُولًا كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [سورة الإسراء: 38].
إخوةَ الإيمان، في هذه الآيات أنّ الإنسانَ يُحاسَبُ على سمعِهِ وبصَرِهِ وقَلبِه كما يُحاسبُ على سائر جوارحه. وبما أنَّ القلب أميرُ الجوارح فأعمال الجوارحِ ترجَمَةٌ لما وَقَرَ في القلب، فإنَّهُ إنْ صَلَحَ القَلْبُ صلَحَتِ الجوارحُ وإنْ فسَدَ القلبُ فسدَتِ الجوارِح ولا يصلُحُ القلبُ إلّا بالتخَلُّصِ من أمراضِ القلبِ وعلاجِهِ منها.
إخوةَ الإيمان، من أمراض القلوب المنهيّ عنها في هذه الآيات التّكبُّرُ على عباد الله، فلا تمشِ مِشيَة الكِبرِ فإنك لن تجعل في الأرض خَرقًا بدَوْسِكَ وشدّة وطئك، ولن تبلُغَ الجبال بتطاوُلِكَ ولن تحاذيها قوّةً. والكِبْرُ هو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الكِبْرُ بَطَرُ الحقّ وغَمْطُ الناسِ” اهــ رواه مسلم. معناه الكِبْرُ ردُّ الحقّ واستحقارُ الناس. فالمتكبر نوعان: نوعٌ يَردُّ الحقَّ على قائلِهِ مع العلم بأنَّ الصوابَ مع القائل لكون القائل أصغرَ منه سِنًّا أو أقلَّ جاهًا فيستعظمُ أنْ يرجِعَ إلى الحقّ لأجْلِ القائلِ، وما أهلَكَ فِرعَونَ إلا تكَبُّرُه فإنه مع ما رأى من معجِزات نبيّ اللهِ موسى عليه السلام لم يؤمِن به حيث قال له وزيرُهُ هامان إن ءامنتَ بـموسى تعودُ تعْبُدُ بعد أن كنتَ تُعْبَدُ، وما أهلك بني إسرائيل ممن أرسل إليهم سيدنا عيسى بعدما رأَوا معجزاته عليه السلام إلا تكبُّرُهُم فقالوا يذهبُ جاهُنا، وما أهلك أبا لهَبٍ وصناديدَ قريشٍ بعدما رأوا من معجزة القرءان واعترافهم أنه ليس ممّا عرفوا من الشعر والنثر إلا تكَبُّرُهُم. وأما النوع الثاني من المتكبرين فهو الذي يرى لنفسه مَزِيّةً على غَيرِهِ مِن الناس فَيُلاحِظُ نَفْسَهُ بِعَيْنِ الكمال والاستحسان مع نسيان مِنَّةِ الله تعالى عليه ويترفَّعُ على عباد الله فيستحقرُهم لكونهم أقلَّ منه جاهًا أو مالًا أو قُوّةً أو عشيرةً. واستحقارُ الناس إخوة الإيمان ليس مقصورًا على الغنيّ وذي الجاه بل هو موجود في غيرهما، فالزوج قد ينظر إلى زوجته بأنها لا تفهم كما يفهم هو فيحتقرها بقلبه ويترَفَّعُ عليها وهو غير متنبّه لذلك، والوالد قد ينظر إلى ولده بأنه دونَه في المعرفة والخبرَةِ والرأي فيحتقره بقلبه وهو لا يدري، والمدرّسُ ينظر إلى من يدرُسُ عنده بأنه دونه في العلم والفهم فيحتقره بقلبه وهو لا يدري وقس على هذا.
إخوة الإيمان، لقد نهى الله تبارك وتعالى عن التكبّر على عباده فقال عزَّ مِن قائل إخبارًا عمّا وعظَ لُقمان به وَلَدَهُ: {وَلَا تُصَعِّر خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ في الأَرْضِ مَرَحًا إنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [سورة لقمان: 18].
والمعنى لا تُعرِضْ عنهم متكَبِّرًا فأقبِلْ على الناس بِوَجْهِكَ ولا تُوَلِّهمْ شِقَّ وجهِك وصَفْحَتَه كما يفعل المتكبرون ولا تمشِ مِشْيَةَ الكِبْرِ والخُيلاء والفخر.
يا أيها المتكَبّر.. تفخَرُ بمالِك.. فقارون كانت مفاتِيحُ خزائنُه لتنوءُ بالعُصْبَةِ أولي القوة فخُسِفَ به وبكنوزه الأرض.. تفخر بجاهِك.. ففرعَوْنَ هلك في الماء ولم ينفَعْه ملكُه ولا رجالُه.. تفخَرُ بقوّتِك.. فألمُ سِنك يُضجِعُك.. تفخَرُ بعِلمِك فليس مِن كيسك وإنما مِن جمعِ مَن قبلَك.. لأيّ شيءٍ تتعاظَمُ في نفسك وتتكبّر فإن أوَّلك نُطْفَة وءاخِرُكَ جيفَة.. لأي شيء تُعجِبُكَ نفسُكَ وقد خَرَجْتَ من حيثُ تعلَمُ مَرَّتَين والموتُ ءات عليك فيقصِمُك.
إخوة الإيمان، إنَّ الذي يُراقب قلبَهُ يعلمُ أن الله تعالى إنْ مَيَّزَهُ عن غيره بزيادة عقل أو علم أو فهم أو مالٍ فهو مَحْضُ تفَضُّلٍ مِن الله تعالى لا عن استحقاقٍ لذات هذا الإنسان فليست زيادةُ عقله منه ولا ذكاؤهُ منه ولا عِلمُهُ منه ولا فَهْمُهُ منه فَلْيَشْكُرْ ربّه وليرحم مْن هو أقلُّ منه ولْيَتَواضَعْ، فإنَّ التواضُع مِن أفضلِ العبادةِ. وقد ورد عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: “إنكم لتَغْفَلُونَ عنْ أفضلِ العِبادةِ التواضُع“ اهـ. رواه الحافظ ابن حجر في الأمالي، وإنما قال ذلك لكثرة من يقع في الكِبْر ولو عمل الناس بالتواضع لذهب عنهم كثيرٌ من الشحناء والعداوة وارتفعَ الحسد والشحُّ ولاستراحوا مِن تَعَبِ التَّنافُسِ والـمُـباهاةِ والتَّفاخُرِ ولَالْتَذُّوا بما قسمَ الله لهم. فاتقوا اللهَ عباد الله، واعلموا أن من تواضع لله رَفَعَهُ الله، ولينظر الواحد منا ما قَدَّمَ لغدٍ.. ما قدّم ليومِ لا ينفعُ فيه مالٌ ولا بَنونَ إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليم.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.