إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستغفرُهُ ونستعينُهُ ونستهديه ونشكرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهدِ اللهُ فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادِيَ له، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ولا مثيلَ ولا شَبيهَ لهُ ولا ضدَّ ولا نِدَّ له. وأشهدُ أنّ سيدَنا وحبيبَنا وعظيمَنا وقائدَنا وقرّةَ أعينِنا محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ وحبيبهُ وخليلهُ مَن بعثَه اللهُ رحمةً للعالمين هاديًا ومُبشّرًا ونذيرًا بلّغَ الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصحَ الأمّةَ وجاهدَ في الله حقَّ جهادِهِ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جزَى نبيًّا مِن أنبيائِهِ، اللهُمَّ صلِّ على سيدِنا محمدٍ وعلى ءالِ سيدِنا محمدٍ كما صليت على سيدِنا إبراهيمَ وعلى ءال سيدِنا إبراهيمَ وبارك على سيدِنا محمدٍ وعلى ءال سيدِنا محمدٍ كما باركتَ على سيدِنا إبراهيمَ وعلى ءال سيدِنا إبراهيمَ إنَّك حميد مجيد.
أما بعد عبادَ الله، أوصي نفسي وأوصيكم بتقوى اللهِ العليّ العظيمِ القائلِ في مُحكمِ كتابه: {وَأَنَّ السَّاعَةَ ءاتِيَةٌ لّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ}. وقد روى الحاكمُ من حديثِ عبدِ الله بنِ عُمرَ عن النّبيِ صلى الله عليه وسلم أنه قال: “مَنْ أَحبَّ أن ينظُرَ إلى يومِ القيامةِ فَلْيَقرأْ إذا الشَّمسُ كُوِّرت”.
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ}
أي إذا جُمِعَ بعضُ الشَّمسِ إلى بعضٍ ثمَّ رُمِيَتْ فذهبَ ضَوؤُها، وإذا النُّجومُ تناثرتْ منَ السماءِ فتساقَطَتْ، وإذا الجبالُ سُيِّرتْ أي قُلِعَتْ منَ الأرضِ ثم سُوِّيَتْ بها كما خُلِقَتْ أولَ مرّةٍ ليسَ عليها جبلٌ ولا فيها وادٍ، وإذا العِشارُ أيِ النُّوقُ الحواملُ تُرِكَتْ بلا راعٍ وبلا حالِبٍ لِمَا دَهَاهُم منْ أمورِ الآخرة، وإذا الوحوشُ جُمِعَتْ بعدَ البعثِ لِيُقْتَصَّ مِنْ بَعضِها لبعضٍ وتصيرَ بعدَ ذلك ترابًا إظهارًا لعدلِ اللهِ إذْ لا تكليفَ على البهائم، وإذا البِحارُ سُجِّرَت أي أُوقِدَتْ فاشْتعلتْ نارًا، وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ أي قُرِنَتْ بأشكالها، الصالحُ معَ الصالحِ في الجنة، والفاجرُ مع الفاجر في النار، وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيّ ذَنبٍ قُتِلَتْ * والموؤودةُ هيَ البنتُ تُدْفَنُ وهي حَيَّةٌ، وكان هذا مِن فعلِ الجاهليةِ فكان الرَّجُلُ في الجاهليةِ في أحيانٍ كثيرةٍ إذا وَلدَتِ امرأتُه بنتًا دفنَها حَيَّـة، إما خوفًا منَ السَّبيِ والاسترقـاقِ، وإما خشيةَ الفقرِ والإِمْلاق، وسُؤالُها توبيخٌ لوائدِها وجوابُها أن تقولَ بلا ذنبٍ. وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ أي صحفُ الأعمالِ التي كَتَبتْ فيها الملائكةُ ما فعلَ أهلُها من خيرٍ أو شرٍّ تُنشَرُ يومَ القيامة ليقرأَ كلُّ إنسانٍ كتابَه.
روى ابنُ حبان أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: “يُدْعَى أَحَدُهُمْ، فَيُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ وَيُمَدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ سِتُّونَ ذِرَاعًا وَيُبَيَّضُ وَجْهُهُ، وَيُجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ يَتَلَأْلَأُ، قَالَ: فَيَنْطَلِقُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَيَرَوْنَهُ مِنْ بَعِيدٍ، فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي هَذَا حَتَّى يَأْتِيَهُمْ، فَيَقُولُ: أَبْشِرُوا، فَإِنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ مِثْلَ هَذَا”.
يقول الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقْرَءوا كِتَابِيَهْ} فإعطاءُ الكتابِ باليمين إخوةَ الإيمان دليلٌ على النَّجاة، والمؤمنُ لمّا يعلمُ أنّه منَ الناجين ويبلغُ بذلك غايةً عظيمةً من السرورِ بإعطاءِ كتابِه بيمينِه يُظهِرُ ذلك لغيره حتى يفرحُوا له. اللهمَّ اجعلنا منَ الناجينَ في ذلك اليومِ يا ربَّ العالمين. فالذي أُعطى كتابَه بيمينِه هو في عيشةٍ راضيَةٍ مَرضِيّة وذلك بأنه لقي الثوابَ وأمِنَ منَ العقاب، وأمّا مَنْ كانَ مِنَ الخاسرينَ الهالكينَ يومَ الدِّين فحَالُهُ كما قالَ ربُّنا عزَّ وجلَّ في كتابِهِ العزيز:
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ}
إخوةَ الإيمان، إنَّ مَن أُعطِى كتابَ أعمالِه بشمالِه يجدُ سوءَ عاقبتِه التي كُشِفَ عنها الغطاءُ، فيتمنّى لو أنه لم يُؤتَ كتابَه لِمَا يرى فيه منْ قبائحِ أفعالِه، يَتمنّى لو أنَّ اللهَ لم يبعثْه للسؤالِ فيقول يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ. قال البخاري: “القاضيةَ الموتَةَ الأُولى التي مُتُّهَا لَمْ أُحْيَ بَعْدَها”، مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ، فمالُهُ الذي كان في الدنيا يملِكُه لا يدفعُ عنه منْ عذابِ الله شيئًا وسلطانُه أي مُلكه وقُوّتُه الذي كان له في الدنيا زالَ عنه. خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ، أي خذوهُ واجمعُوا يدَه إلى عُنُقِه مُقيَّدًا بالأغلالِ وأدخِلُوه واغمُروهُ في نارِ جهنم، ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ، قيل: تدخُلُ مِن فمِه سِلسلةٌ عظيمةٌ جدًّا طولهُا سبعونَ ذراعًا وتخرجُ مِن دبره. اللهمَّ أَجِرْنا من عذابك يا ربَّ العالمين.
وما هو سببُ العذابِ للكافر {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ}، فالكفرُ موجبٌ للعذابِ أي لمن ماتَ عليه بل هو موجبٌ للعذاب الأبديِّ الذي لا نهايةَ له. قال اللهُ تعالى: {إنَّ اللهَ لَعَنَ الكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَآ أَبدًا لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ في النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنا أَطْعْنَا اللهَ وأطعنا الرَّسُولَاْ}. وسواءٌ كان الكافرُ قد وُلِدَ لأبوينِ كافرين أو وُلد لوالدٍ مسلمٍ ثُمَّ ارتدَّ باعتقادٍ كُفريٍّ كأنِ اعتقدَ أنَّ اللهَ جِسْمٌ أو ساكِنٌ في السَّماءِ أو جالِسٌ على العرشِ أو مُنبثٌّ في كُلِّ الأماكنِ، أوِ ارتدَّ بفعلٍ كُفريٍّ كأن داسَ على المـُصحفِ معَ عِلْمِهِ بأنْ ما يدوسُ عليه هوَ المـُصحفُ أو رَماهُ في القاذوراتِ معَ عِلْمِهِ بأنَّ ما رماهُ هوَ الـمُصحفُ والعياذُ باللهِ تعالى، أوِ ارتدَّ بقولٍ كُفريٍّ كأنْ سَبَّ ربَّ العالمينَ عندَ الغضبِ أو قال: – يا إِبِنْ ألّا- ومُرادُهُ والعياذ بالله – يا ابنَ الله- أو استَهزَأ بشيءٍ مِنَ الدِّينِ كما يَحْصُلُ مِنْ بعضِ السُّفهاءِ في ما يسمُّونهُ بالنُّكَّتِ في هذِهِ الأيام مِمَّا يتضمّنُ الطّعنَ في الدِّينَ ليُضْحِكُوا الناسَ بزعمهم فيخرجونَ مِنْ دائرةِ الإسلامِ إلى دائرةِ الكُفْرِ والضَّلال وهُمْ لا يشعرون، وقَدْ لا يَرجِعونَ إلى الإسلامِ لِظَنِّهمْ أنَّهُمْ ما زالُوا على الإسلامِ وذلك لِبُعْدِهِمْ عن مَجالِسِ عِلْم الدّينِ ولانغِماسِهِمْ في الدُّنيا وَملذَّاتِها وشهَواتِها فيَبْقَوْن على الكفرِ حتَّى تُقبَضَ أرواحُهُمْ وهُمْ على تلك الحالِ -والعياذُ باللهِ تعالى- فيكونون في عذابِ السَّعير خالدِينَ فيها أبدًا.
فقد روى مسلمٌ في صحيحِه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا: لَوْ كَانَتْ لَكَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، أَكُنْتَ مُفْتَدِيًا بِهَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ، أَنْ لاَ تُشْرِكَ، فَأَبَيْتَ إِلَّا الشِّرْكَ”.
اللهمَّ يا مُقلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلوبَنا على دينِك، وأخرجنا من هذه الدنيا على كاملِ الإيمان وقِنَا عذابَك يومَ تبعثُ عبادَك يا ربَّ العالمين بِرحمتك يا أرحمَ الرّاحمين.
هذا وأستغفر الله لي ولكم.