إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه ونشكره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له ولا مثيل له ولا ضدّ ولا ندّ له، وأشهد أنّ سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمدًا عبده ورسوله وصفيّه وحبيبه من بعثه الله رحمةً للعالمين هاديًا ومبشرًا ونذيرًا بلّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصحَ الأمّة وجاهد في الله حق جهاده فجزاهُ الله عنا خيرَ ما جزَى نبيًّا مِن أنبيائه، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى ءال سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى ءال سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى ءال سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى ءال سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد.
عباد الله، أوصيكم ونفسي بِتَقْوَى اللهِ العليِّ العظيمِ فاتّقوه حقَّ تقاته، واعلموا أنَّ ربّ العزّة يقول في القرءان العظيم: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [سورة المائدة: ءاية 3].
فاعلموا -إخوةَ الإيمانِ رَحِمَكُم اللهُ تعالى بتوفيقِه- أنَّ مِن الكبائر أكلَ الميتةِ والدّم ولحمِ الخنْزيرِ وما أُهِلَّ لغير الله به وهو كل شيء يسمى عليه اسم غير الله عند ذبحه كقول المشركين باسم اللات والعزى عند الذبح. وكذلك يحرم أكل المنخنقة وهي التي ماتت خنقًا، والموقوذة وهي التي أثخنوها ضربًا بعصا مثلًا حتى ماتت، والمتردّية وهي التي تردّت من جبل أول في بئر فماتت وكذا التي وقعت في البحر فغرقت، والنطيحة وهي التي نطحتها أخرى فماتت {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} أي إلّا ما أدركتم ذكاته قبل أن يضطرب اضطراب المذبوح. فكلّ ما زالت حياته من البهائم بغير ذكاة شرعية فهي ميتة.
والذكاة الشرعية يشترط أن يكون الذابح فيها مسلمًا أو كتابيًّا وأن يذبح الذبيحة الحلال الجائزة الأكل كالبقر والغنم ونحوه بآلة حادة غير الظفر والعظم، وأن يقطع مجرى النفس ومجرى الطعام والشراب، أما لو صُعقت بالكهرباء فماتت قبل أن تُذَكَّى لم يحل أكلها، وكذا لو ذبحت بواسطة الآلات التي تتحرك وحدها أي أوتوماتيكيًّا من غير تحريكٍ من قِبَلِ ذابحٍ لذبح كل بهيمة فلا يحل أكلها بل هي ميتة.
أيها الأحبة، اللحمُ أمرُهُ مشددٌ في شرع الله فلا يجوز أكله إلّا أن يُعلم أنه ذُكِّيَ ذكاة شرعية، فإن شُكَّ في ذلك فهو حرام لا يجوز الشروع في أكله، كما نصَّ على ذلك الفقهاء، بل تحريم اللحم الذي لم يعلم طريق حله بأن شك هل هو حلال أو ميتة مجمع على حرمته في كل المذاهب وعند كل المجتهدين كما نص على ذلك الحافظ السيوطيّ وغيره.
فلا تدع -أخي المسلم- شهوةَ الطعام تدفعك إلى الأكل من طعامٍ فيه لحمٌ لا تدرِي من أين هو، وهل ذُكِّيَ ذكاة شرعيّة أو لا ولو كان أرخص ثمنًا، فإن كنت في بيتٍ دعاك أهلُه إلى طعام أو في مطعم أو في الطائرة ونحوها فإياك أن تأكل اللحم المشكوك فيه، أما إذا تحقَّقْتَ وسألتَ فاطمأنَّ قلبك أنه ذُكّيَ ذكاة شرعية فيجوز لك أن تأكل عندئذ، أمّا مع الشّكِّ فلا يجوز. ففي صحيح مسلم عَنْ عَدِيّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّيْدِ قَالَ: “إِذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللهِ فَإِنْ وَجَدْتَهُ قَدْ قَتَلَ فَكْلْ إلا أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَإِنَّكَ لا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أوْ سَهْمُكَ” اهـ.
فمن أجل الشك في سبب الحل حرَّم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أكلَه، فمن هذا الحديث ونحوه أخذ العلماء حرمة أكل اللحم المشكوك في حله وأجمعوا على ذلك.
وأما حديث البخاريّ عن عائشة رضيَ الله عنها أنَّ قومًا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إنّ قومًا يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا فقال “سمّوا اللهَ عليه وكلوه” اهـ. فالحديث ورد في ذبيحة أناس مسلمين قريبي عهد بكفر – يعني أسلموا من جديد – وذلك لقول عائشة في الرواية الأخرى يا رسول الله إن هنا أقوامًا حديث عهد بشرك يأتوننا بلُحمان لا ندري يذكرون اسم الله عليها أم لا، قال: اذكروا أنتم اسم الله وكلوا اهـ. معناه أن هذه اللحوم حلال لأنها مذكَّاة بأيدي مسلمين ولو كانوا حديثي عهد بكفر أي أسلموا من قريب ولا يضركم أنكم لم تعلموا هل سمَّى أولئك عند ذبحها أم لا، وسَمُّوا أنتم عند أكلها أي ندبًا لا وجوبًا، لأن التسمية سنةٌ عند الأكل.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
فخلاصة الأمر أحبابنا الكرام أنه ينبغي التيقُّن قبل أكل اللحم من أنه مُذكًّى ذكاةً شرعية، فليس كل لحم في السوق أو في المعلبات حلالًا، فإذا تيقنت أنه ليس حلالًا أو شككت فيه فلا تأكل فلا خير في لَذّة مِن بَعدِها النارُ. وقد قال الصادقُ المصدوقُ حبيبُنا المصطفى صلى الله عليه وسلم: “مَنْ أكَلَ طَيِّبًا وعَمِلَ في سُنَّةٍ وأَمِنَ الناسُ بَوَائِقَهُ دَخَلَ الجنة” اهـ رواه الترمذي. (مَنْ أَكَلَ طَيِّبًا) يعني مَنْ كانَ مَطْعَمُهُ حلالًا مما يباح للإنسان أكله ومن مال حلال في الشرع لا مما حرّم الشرع أكله ولا مما حَصَّلَهُ من طريق حرام (وعَمِلَ في سُنَّةٍ) أي عمل في موافقة السُّنّةِ أي مَنْ عَمِلَ بما يوافق شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف يعمل الشخص بما يوافق الشرع إذا لم يتعلم؟ كيف يتأكد بأن صلاته وصيامه وسائر عبادته صحيحة إلا بالعلم، بل كيف يعرف أن ما يأكله وما يشربه وما يلبسه وما يسكنه من حلال إلا بالعِلم، لذلك قال البخاري رحمه الله في صحيحه: “باب العلم قبل القول والعمل”.
وقوله صلى الله عليه وسلم: “وأَمِنَ الناسُ بوائقَهُ” معناه أمِنَ الناسُ ظلمَ يده ولسانه، كما قال الرسول الأكرم: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده” اهـ. أي من صفات المسلم الكامل أن يسلم المسلمون من لسانه ويده.
اللهم ارزقنا حسن الاقتداء برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم واكفنا بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك واجعلنا من خيار عبادك.
هذا وأستغفر الله لي ولكم.