إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا شبيه له، ولا حيِّز ولا جهة ولا مكان له، ولا هيئة ولا صورة ولا شكل له، ولا جسد ولا جثة ولا لون له، ولا ضِدَّ ولا نِدَّ ولا حَدَّ له، سبحانه ليس كمثله شىء وهو السميع البصير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرّة أعيننا مُحمّدًا عبده ورسوله ونبيّه وصفيّه وخليله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
أما بعد عباد الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ العظيم القائل في كتابه الكريم *يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا* (سورة الأحزاب ءاية 70-71).
إخوة الإيمان، ماذا عسانا نقول من القول السديد في يوم مولد الحبيب سيدِنا محمد؟ يا رسولَ الله أيها الفخمُ المفخَّم والنبيُّ المعظّم والحبيب الـمُكرّم.. يا صاحبَ الفَضْلِ على أمتك… يا مَن ءاثَرْتَ أُمتَك بدعوتك التي أعطاك ربك فقلت: لِكُلّ نَبِيّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيّ دَعْوَتَهُ، (رواه مسلم) ولكنكَ اختبأتها شفاعةً لهم وذلك منْ رحمتِك بهم وأنت كما وَصَفَكَ ربُّكَ في كتابه *بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ* (سورة التوبة ءاية 128). ..وأنت الذي يُقالُ لك يومَ القيامة ”يا محمدُ سَلْ تُعْطَ واشْفَعْ تُشَفَّعْ“ وأنت الذي تقول ”أَيْ ربِّ أُمَّتي أمتي” اهـ. رواه النسائي.. وأنت الذي أرشدت للخير، فجزاك الله عن هذه الأمةِ خيرَ الجزاء.
أيها القائدُ المعلِّم، في شهر مولدِك نتذكرُ عظمتَكَ وفَضْلَكَ وخُلُقُكَ وجهادَكَ ووَصْفَ جمالِكَ وجميلَكَ علينا يا نبيَّ الله، حين يمدحُك المادحون ويذكرُ اسمَك الذاكرون، تأخذنا الشجونُ حتى كأن لسانَ الحال يقول يا ليتني أَحْظى باللقاء ولو بنظرةٍ منك في المنام كما حظيَ بها سيدُنا بلال الحبشي وقد كان له شرفُ الاجتماع بك ورؤياك يقظة، ومع ذلك لـمَّـا شاهدَ في المنام وجهك الأغرَّ إذ به يَصْحُو من نومه في تلك الليلة وتَحْدُوهُ الأشواقُ بِوَجْدٍ يتأجَّجُ في البطاح، يعجّل سيره في ليلٍ وصباح، ليصل المدينةَ الغرّاءَ فيقفَ على الأعتابِ… والعَبَرَاتُ من عينيه تنساب… علّها تخفف من حرقة في الفؤاد، ولكن هيهاتَ هيهات.. فهو الذي وقبل مماته أطلق المقال فقال: “غدًا نلقى الأحِبَّة مُحمّدًا وصَحْبَه” غدًا لقاء محمد يومَ الجزاء.
فلهذا ولغيره الكثيرَ الكثيرَ نحن نحبك يا رسول الله… يا حبيبَ الله، ولذلك نُعلِّم أبناءنا اليوم كيف يحتفون بيوم مولدك.
ولماذا نحتفل بهذا اليوم المبارك على أُمّتنا؟
نحن نعرف أنك سيّدُ الشاكرين لربك وأنت الشّاكر المعلِّمُ بشكرِكَ كيف ينبغي أن يكون شكر المؤمن لربِّه، فأنت تصوم في يوم مولدك وقد سُئِلْتَ عن صوم يوم الاثنين فقلتَ ”ذاك يومٌ وُلِدْتُ فيه وأُنْزِلَ عَلَيَّ فيه” اهـ. (رواه أحمد ومسلم والبيهقي في الدلائل).
وأنت سَيّدُ المتواضعين، يُذكَرُ في هذا اليوم تواضُعُك وأنت الذي لا تأنف من مجالسة الفقراء والأكلِ معهم وزيارتـِهم في بيوتهم… سيدي يا صاحب الخلق العظيم، يا حبيب المؤمنين مِن قولك ”لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين“ (رواه البخاري). نرى في عمل المولد سببًا لنشر هذا الحب بين الأجيال ليتعلقوا بك وبجمالك ووصفك وهيئتك وبقولك وبفعلك يا عظيم الجاه فَنَعُدُّ عملنا هذا من أفضل الأعمال بالتدليل على هذه المحبة لمن جاء منقِذًا للناس من ظلم العبادة لغير الله بدعوتهم الى عبادة الله تعالى وحده.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وفي عمل المولد التذكيرُ بأمور أخرى منها، حفظ اسمك ونسبك وانتمائك العربي وأسماء أولادك، وإلا لمَ قلتَ ”أنا محمدٌ وأنا أحمدُ وأنا الماحي الذي يمحو اللهُ بي الكفرَ وأنا الحاشرُ الذي يُحشَرُ الناسُ على قَدَمِي وأنا العاقِبُ الذي ليس بعدَه أحدٌ“ اهـ. (متفق عليه).
نبيُّ الرحمة أنت… ونبيُّ التوبة أنت… وأنت أبو القاسم… أبو الزهراء يا رسول الله.
في المولد نتعلَّم ونُعَلّم ونُذَكِّر أنك أنت أشرفُ الناس يا سيدي يا رسول الله وإلا لماذا قلتَ ”إن الله اصطَفَى كِنانةَ مِنْ ولدِ إسماعيل واصطَفى قريشًا من كِنانة واصطَفى من قُريشٍ بَني هاشمٍ واصطفاني من بني هاشم“؟ اهـ. (رواه مسلم) أليس لِنَعَلَمَ قَدْرَك وشرَفَك فيزداد حبُّنا لك وتعظيمنا لك فنكونَ أَتْبَع لأمرِك ونَهجِك؟
وفي المولد نتعلّم ونعلّم عن ولادتك وأوصافِك سيِّما أوصافَك التي من رءاها في المنام له بشرى بالعبور على الصراط ليدخل الجنة بإذن الله تعالى، فأنت الذي قلت ”من رءاني في المنام فسيراني في اليقظة“ اهـ. (متّفق عليه).
وفي المولد قرءاةٌ لسيرتك فيُذكَرُ أنّك تربّيت يتيمًا فلا يَمنعنَّ يُتْمُ أحدٍ أن يَتَخَلَّقَ بأخلاقك ويتأدّبَ بآدابك فترقّ نفسه وقلبه.
وفي قراءة سيرتك نتعلم من تجارتك كيف ظَهَرَتْ بصدقك البركاتُ فَيَحْتَذِي بك السّالكون الرّاغبون في الحلال الطّامعون في البركات ولو بالقليل من الأرزاق.
وفي قراءة سيرتك يتعلّم الدّعاةُ طرقَ الدّعوة إلى الله وقد بدأتَ وحيدًا تدعو إلى الإسلام حتى انتشر في أرجاء الجزيرة العربية وحمل اللواءَ بعدكَ- عليكَ الصّلاة والسلام- أصحابُك الأعلامُ حتّى بلغوا بهذا الدّين الشّرق والغرب والله يقول: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا} (سورة الفتح ءاية 1).
وفي قراءة سيرتك تعليمٌ للأمّة الالتزام بالأخلاق الحسنة وأنت الذي تقول: ”إنّما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكارِمَ الأخلاقِ”. (رواه البزّار والبيهقيُّ).
وفي قراءة سيرتك نعرف أنّ الدّنيا التي نعيش فيها لا تدومُ لأحدٍ فلا ينبغي أن نتقاتل عليها وأنت الذي كنت تنام على الحصير وتربط الحجر على بطنك من الجوع وأنت الذي قلت: ”ازهد في الدّنيا يحبُّكَ اللهُ وازهد فيما في أيدي الناس يُحبُّكَ النّاسُ“ اهـ.
وفي قرءاة سيرتك تعليمٌ للأمّة كيف يكون التّمسّكُ بدينك والسّير على نهجك، وأنت الذي قلت: ”المتمسِّك بسنّتي (أي شريعتي من العقيدة والأحكام) عند فساد أمّتي له أجر شهيد“ اهـ. (الطبراني)
نحتفل بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الأمور ولغيرها الكثير الكثير من المزايا في هذه المناسبة العطرة فضلاً عما يحصل في هذا اليوم من البر والإحسان وإطعام الفقراء والمساكين وسماع مدح المادحين له صلى الله عليه وسلم بأفئدة عامرة بحب محمد فتنساب النغمات بألحان المحبين عذبة شجية وهم هائمون بالذات المحمدية يصلون عليه ويسلمون عليه عملاً بما أمر الله: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (سورة الأحزاب ءاية 56)
إخوة الإيمان لو لم يكن في ذلك إلا إرغامُ الشيطان وسرورُ أهل الإيمان المسلمين لكفى فكيف ما رأينا هذا الغيضَ من الفيضِ.
هذا وأستغفر الله لي ولكم.