تقدر المسافة بين مكة والمدينة بحوالي 400 كيلومتر يجتازها الناس بالسيارات الصغيرة في 4 ساعات، وبالحافلات في 6 ساعات، وبعد تشغيل قطار الحرمين السريع تقلصت المسافة إلى ساعتين فقط.
ولكن بعيدا عن المسافات المكانية تتقارب المسافات الروحية بين سكان كلتا المدينتين المقدستين، وتتضافر جهودهم في خدمة الحرمين الشريفين والحجاج والمعتمرين والزوار بكل حب وإخلاص، تحقيقا منهم لتطلعات القيادة الرشيدة في السعودية التي تولي خدمة ضيوف الرحمن كامل الاهتمام، لكي يؤدوا مناسكهم بكل يسر وسهولة.
وهذه المنافسة بين السكان ولّدت بعض المشاكسات اللطيفة، وأنشأت الكثير من القصص الجميلة، فرغم أن بعض سكان مكة المكرمة يحاول أن يجعلها أكثر قيمة وفضل من المدينة المنورة! والعكس أيضا تجد أن الكثير من سكان طيبة الطيبة يعتقدون بأنها هي المكان الأفضل في العالم!
ومما يثير الغرابة أن كلا الفريقين لديهم أدلة من القرآن والسنة تعزز آراءهم، وتدعم أقوالهم، وتمنحهم الراحة لما مالوا إليه في حب أم القرى أو طيبة الطيبة.
وبعيدا عن ذلك يمكننا تتبع آيات القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية وقصص السيرة النبوية التي تؤكد أنهما عينان في رأس، فكل مدينة منهما دعا لها نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فمكة المكرمة دعا لها أبو الأنبياء إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام كما جاء في سورة البقرة (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) (126).
والمدينة المنورة دعا لها النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال في الحديث الذي رواه الصحابي أبو هريرة رضي الله عنه (اللهم بارك لأهل المدينة في مدينتهم، وبارك لهم في صاعهم، وبارك لهم في مدهم، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك، وإني عبدك ورسولك، وإن إبراهيم سألك لأهل مكة، وإني أسألك لأهل المدينة، كما سألك إبراهيم لأهل مكة، ومثله معه) رواه النسائي.
وليس هذا فقط، فمدن القداسة شركاء بالتساوي المبارك في بناء الحضارة الإسلامية، ففي مكة المكرمة نزلت رسالة الله للناس كافة على النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما بلغ الـ40 عاما، ليعيش في شعابها 13 عاما في فترة البعثة النبوية التي جعلته صلى الله عليه وسلم يعيش 53 عاما من عمره في مكة المكرمة.
وإلى المدينة المنورة هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- ليكمل بناء الحضارة الإسلامية من خلال الوحي الرباني الذي أنزل عليه جزء كبير منه في مكة، فأصبحت في القرآن الكريم السور المكية ثم بعد الهجرة والاستقرار في المدينة المنورة نزلت السور المدنية، وفيها عاش النبي -صلى الله عليه وسلم- آخر 10 سنوات من عمره.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
ولم يلقَ ربه عليه الصلاة والسلام حتى بلغ الرسالة الربانية، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده، كما قال الله سبحانه وتعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) (سورة المائدة/ من الآية 3).
ورغم أنهما شركاء في الفضل والمكانة، وفي سكنى النبي صلى الله عليه وسلم، وفي مرحلتي البعثة والهجرة، وفي السور القرآنية المكية والمدنية، وفي مراحل تبليغ الرسالة للناس كافة، وفي تكوين مجتمع الصحابة الكرام رضوان الله عليهم من المهاجرين والانصار، فإن البعض من سكان هاتين المدينتين المقدستين ما زال يعميهم الحب، ويغشاهم عشق التفضيل في غير مكانه! وبعيدا عن موطنه! حينما يسعون بلا بصيرة، ودون وعي في تفضيل مكة على المدينة، أو العكس.
والأفضل الاكتفاء بالقول إنهما مدينتان مقدستان منحهما الله مكانة خاصة من بين مدائن العالم، وميزهما بمميزات فريدة عن جميع بقاع الكون، ولا مزية لإحداهما على الأخرى، ولو كان التفضيل بينهما مهما لكان الله سبحانه وتعالى بيّنه لنا في القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية.
فلا يقتلنا جنون أيهما أفضل؟ فكل مدينة لها قداستها وفضلها ومكانتها في التراث الإسلامي، وفي قلوب المسلمين حول العالم في كل زمان ومكان وحتى قيام الساعة.
والمنافسة بينهما أيضا تحولت إلى بعض الحجاج والمعتمرين إذ يقول الكثير منهم إن بعض أهل مكة أكثر صرامة وجفاء!! بعكس بعض أهل المدينة الذين لديهم سماحة في التعامل مع ضيوف الرحمن.
وهذا يمكن تبريره من خلال وصف الأجواء التي يعيشها الحاج في مكة المكرمة من خلال السير لمسافات طويلة في المشاعر المقدسة في زحمة عالية، وغيرها من الصعوبات الجغرافية التي غالبا لا يجدها في المدينة المنورة المنبسطة، فتتكون لديه صورة ذهنية مختلفة عن المدينتين المقدستين، خصوصا أنه غالبا يقضي فترته الأطول زمنا في مكة المكرمة.
وتتقاسم المدينتان المقدستان أيضا الإحساس بالروحانية والراحة والطمأنينة، فمن زار البيت الحرام وطاف بالكعبة المشرفة، وسعى بين الصفا والمروة، وصلى خلف المقام، وجلس في باحات المسجد الحرام سيشعر براحة لا مثيل لها.
ومن زار المدينة المنورة ومضى بخطوات خاشعة نحو المسجد النبوي الشريف وصلى فيه ركعات مطمئنة، ثم مضى ومكث بعض الوقت الإيماني في الروضة الشريفة، وألقى السلام على النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه رضوان الله عليهما سيشعر بروحانية لا مثيل لها.
وللمنافسات بين سكان المدينة المنورة ومكة المكرمة قصص جميلة متنوعة، يتسابقون فيها منذ الأزل لخدمة ضيوف الرحمن، ويجمع بينهما محبة المدينتين المقدستين، وعشق روحانية الحياة فيهما للأبد.