يعلم “الدكتور” القرضاوي جيّدًا عمل ما يُسمى برابطة الشباب المسلم العربيM.A.Y.A. (فهو قد زار أمريكا وحلَّ ضيفًا عليها)، وفي فتواه التي فنَّدناها بعون الله يظهر ذلك بوضوح فهو قد قال ما نصه :”وظهر أثرها واضحًا لكل من عرفها وزار مؤسساتها وحضر مؤتمراتها والتقى بالعاملين فيها” اهـ.
فإذا رجعنا إلى “الروزنامة” التي أصدرتها هذه الرابطة للعام 1994ر ـ وهو نفس العام الذي وُزّعت فيه الفتوى ـ نرى أن عملها يكاد يتلخَّص في الأمور التالية:
1 ـ إنشاء الفروع لها.
2 ـ إقامة نشاطات ثقافية واجتماعية وعلمية ورياضية (كثيرًا ما تكون بمقابل مال).
3 ـ إقامة المخيمات (مقابل اشتراك يدفع)!!!
4 ـ دعوة المفكرين لزيارة فروعها.
5 ـ إقامة الدورات التأهيلية المختلفة الأهداف (كثيرًا ما يكون فيها اشتراك ماليّ).
6 ـ إصدار النشرات والكتيبات والمجلات (كمجلة السنابل التي تباع بيعًا)!!!
7 ـ توفير الكتب والأشرطة المسموعة والمرئية (مقابل مال أيضًا كما ذكر في مجلة الرابطة)!!!
8 ، عقد مؤتمر الرابطة السنوي.
9 ـ شراء عقارات!!!
01 ـ استثمار تجاري لمبلغ ثلاثمائة ألف دولار أمريكي!!!
11 ـ إقامة محطة لبيع الوقود!!!
21 ـ إقامة معارض تجارية في مختلف الولايات (مقابل اشتراك ماليّ)!!!
فهل هذا ما يريدنا “الدكتور” القرضاوي أن ندفع زكاة أموالنا لأجله؟! وهل يريد أن يقنعنا بأن الله تعالى فرض الزكاة علينا ليتاجر بها أعضاء الرابطة ويشتروا العقارات ويقيموا المؤتمرات والمعارض التجارية؟!! أم أنهم استضافوه فأكرموه ومن أموال الزكاة المخلوطة بربا البنوك أطعموه فكافأهم بهذه الفتوى العجيبة؟!!
أم بينه وبينهم صلة بواسطة حزب الإخوان الذي شذَّ عن الشيخ حسن البنا رحمه الله إلى منهج سيد قطب الذي كفَّرَ الحكام والرعية فراعاهم وأعانهم بزعمه بإصدار هذه الفتوى؟!!!
أَوَلَم يعرف “الدكتور” القرضاوي بملايينهم المكدَّسة في البنك المسمى “بنك التقوى” في “البهامس” وبتجاراتهم الضخمة الحلال منها ـ وما أقلّها ـ والحرام؟!
أليس كان الأَوْلى به أن يقول لهم: أنفقوا من حلال أموالكم في نصرة الدين كما فرض الله علينا واتركوا الزكاة توزع على أهلها كما أمر الله وفَعَلَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم بدل أن يحتال لهم بفتواه العجيبة؟!
أم وراء الأكمة ما وراءها؟!!
هذا كله و”الدكتور” القرضاوي يعرف بأن هؤلاء الناس يضعون الأموال في البنوك، ويخلطون مال الزكاة الذي ينبغي أن يكون طُهْرة للمال بأموال الربا وسائر الأموال الخبيثة، فهل يقول “الدكتور” بجواز ذلك أيضًا؟! وهل هذا ما تعلَّمه في الأزهر؟!
أَوَلَم يتعلَّم في الأزهر ـ إن كان استوعب ما تعلَّم أو يتذكّره ـ أنه لا بدَّ من صرف عين مال الزكاة للمستحقين لا ما هو بدل عنه؟!
أَوَلَم يتعلَّم أيضًا في مقررات الأزهر أنه لا يجوز تأخير دفع الزكاة عن وقتها بعد الوجوب والتمكّن ووجود المستحق؟!
فكيف يفتي بعد ذلك بدفع الزكاة لهذه الرابطة لتوضع في البنوك وتخلط بالربا وتُؤَخَّرَ عن وقتها ثم تدفع بعد ذلك في ولائم المؤتمرات والمضاربات التجارية ويزعم أنه بذلك ينصر دين الله!!!!
لا والله بل بمثل هذا يُهدَم شرع الله وتُحَرَّف أحكامه.
وهل يَدرُسُ الإنسان كتب الفقهاء لينساها بعد ذلك أم ليعلّمها ويعمل بها؟!!
قال الإمام أبو إسحاق الشيرازي في المهذب ـ وهو من أشهر كتب الشافعية ـ: “ومن وجبت عليه الزكاة وقدر على إخراجها لم يجز له تأخيرها لأنه حق يجب صرفه إلى ءادمي توجهت المطالبة بالدفع عليه فلم يجز له التأخير كالوديعة إذا طالب بها صاحبها”. إهـ.
وقال ابن قدامة الحنبلي ما نصه :”الزكاة واجبة على الفور ولا يجوز تأخير إخراجها مع القدرة عليه والتمكن منه إذا لم يخْشَ ضررًا”. اهـ.
وقال الشيخ علاء الدين الحصكفي الحنفي :”الزكاة دفعها فوري أي واجب على الفور وعليه الفتوى، فيأثم بتأخيرها بلا عذر وترد شهادته” اهـ.
وقال ابن الهمام الموصوف بأنه محقق المذهب الحنفي في فتح القدير :”فتكون الزكاة فريضة وفوريتها واجبة فيلزم بتأخيرها من غير ضرورة الإثم كما صرح به الكرخيّ والحاكم الشهيد في المنتقى وهو عين ما ذكره الإمام أبو جعفر عن أبي حنيفة أنه يُكْرَهُ، فإن كراهة التحريم هي المحمل عند إطلاق اسمها، وقد ثبت عن أئمتنا الثلاثة وجوب فوريتها، وما نقله ابن شجاع عنهم من أنها على التراخي فهو بالنظر إلى دليل الافتراض أي دليل الافتراض لا يوجبها وهو لا ينفي وجود دليل الإيجاب”. اهـ.
وقال الشيخ المشهور محمد عليش المالكي في شرحه على مختصر خليل ما نصه: “ووجب تفرقتها أي الزكاة فورًا على المستحقين”. اهـ.
فإن كان “الدكتور” يعلم بهذه الأقوال حين قال ما قال فهذه مصيبة عظيمة وجرأة كبيرة، وإن كان لا يعلم فقد كان ينبغي له أن يتعلَّم قبل أن يتكلم لأن الفتوى بغير علم من كبائر الذنوب، وقد روى ابن عساكر مرفوعًا :”من أفتى بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض”.
وفي الحالين ما كان له أن يكتب ما خطته يده.
والعجب من بعض أهل زماننا تُعْرَضُ على أحدهم المسئلة ـ لو عُرِضَتْ على سيدنا عمر رضي الله عنه لجمع لها المهاجرين والأنصار ـ فيسرع بالجواب عليها برأيه وقياسه وكأنه إياس أو عبد الله بن عباس، وما هو إلا كما قال القائل:
يصيب وما يدري ويخطي وما درى * وكيف يكون الجهل إلا كذلك
وإلى الله المشتكى وهو حسبنا ونعم الوكيل.
قد يحتج بعض الناس لنقل الزكاة عن مصارفها الثمانية التي بيَّنها الله تعالى بفعل سيدنا عمر حين قال :”إن الله قد أعزَّ الإسلام فلا أتألف عليه أحدًا”. اهـ.
قالوا :”لو كان يتعين صرف الزكاة إلى الأصناف الثمانية لما أوقف عمر رضي الله عنه عند صرف سهم المؤلفة قلوبهم، وإنما غيَّر عمر المصارف بتغير المصالح فنحن نفعل مثله ونغيّر مصارفها بحسب ما نرى من تجدد المصالح”.
نقول: هذا بالتأكيد هو القياس الفاسد مع الفارق وردُّ أحكام الدين بالرأي، فعمر رضي الله عنه لم يستحدث مصرفًا جديدًا غير المصارف التي ذكرها الله تعالى، وإنما رأى أن صنف المؤلفة قلوبهم قد انقطع عن الوجود لعزة الإسلام وظهوره فلذا وزَّع الزكاة سبعة أسهم، ومتى عادت علة التأليف فَوُجِدَ أناس من هذا الصنف من جديد رجع الصرف إلى ثمانية سهام.
قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في أحكام القرءان ما نصه :”والذي عندي أنه إن قوي الإسلام زالوا، وإن احتيج إليهم أُعطوا سهمهم كما كان يُعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم”. اهـ.
وأما هؤلاء الشُّذَّاذ فقد ابتدعوا مصارف جديدة غير ما ذكر في ءاية الصدقات مخالفين الحصر الذي تدل عليه لفظة “إنما” الواردة فيها.
فَفِعْلُ عمر شىء وما ذهبوا إليه شىء ءاخر ولا تناسب بينهما بالمرَّة.
والله المستعان وبه الحول والقوة.
تبيَّن مما تقدم أن الزكاة لا يجوز أن تصرف لبناء المساجد أو شراء المقابر أو المراكز الإسلامية أو عقد المؤتمرات أو لطباعة الكتب وإصدار المجلات كما زعم القرضاوي، بل لها مصارفها التي تصرف بعينها فيها والتي بيَّنها الله تعالى في القرءان وبيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث وتلقَّاها منه أصحابه ونقلوها للتابعين ثم نقلها هؤلاء لأتباعهم وهكذا حتى وصلتنا نقية من غير غش، واضحة من غير لبس.
وقد بيَّن فقهاء المذاهب الأربعة جزاهم الله خيرًا أنَّ قوله تعالى: {وفي سبيل الله} ليس معناه كل عمل خيري ولا يشمل كلّ ما يدخل تحت اسم الجهاد كما زعم “القرضاوي وأمثاله. فقوله هذا استدراك على الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم وتشريع لما لم يأذن به الله والنبيُّ فهو باطل قطعًا.
ولسنا أول من يردُّ على أمثال القرضاوي في هذا الموضوع، وإنما سبقنا إلى هذا علماء أفاضل مجاهدون أمَّارون بالمعروف نهَّاؤون عن المنكر مشهورون كمفتي مصر الشيخ الفقيه محمد بخيت المطيعي رحمه الله تعالى، وفتواه في الأمر اشتهرت وطبعت، ومثله وكيل المشيخة الإسلامية في الدولة العثمانية الشيخ محمد زاهد الكوثري رحمه الله تعالى.
وما كتبناه ليس إلا رشح تقريراتهم، وما أوضحناه ليس إلا قبسًا من أنوارهم، فالجوهر من بحرهم والدُّرُّ من يمّهم جزاهم الله عنَّا الجزاء الحسن.
ونصيحتنا لك أيها المسلم الحريص على صحة طاعاته وسلامة دينه أن لا تتسرع ـ في هذه الأيام التي عاد الإسلام فيها غريبًا ـ بتسليم زكاة مالك لأَيّ كان، بل تَعَلَّمْ ما أَوجبَ الله عليك من الزكاة وكيف توزّعها وتولَّ هذا بنفسك إن استطعت، فإن هذا فيه:
1 ـ إيصال الحق إلى مستحقيه مع توفير أجر العُمالة.
2 ـ وصيانة العامل عن خطر الخيانة.
3 ـ ومباشرة تفريج كربة المستحق وإغاثته بها بنفسك.
4 ـ وإعطاؤها للأولى بها من المحتاجين من أقاربك وذوي رحمك ـ الذين لا تلزمك نفقتهم ـ وأهل الديانة والفضل في بلدك.
5 ـ زد على ذلك أنك تكون على ثقة من أداء الحق فإنك متيقّن من فعلك ولست على يقين من أداء غيرك.
ولذلك قال الإمام أحمد رضي الله عنه :”أعجبُ إليَّ أن يخرجها ـ أي بنفسه ـ، وإن دفعها إلى السلطان ـ أي ليخرجها ـ فهو جائز”. إهـ.
وبه قال الحسن ومكحول وسعيد بن جبير، وهو ظاهر نصّ الشافعي رضي الله عنه كما في المهذب.
وإن قال لك “قرضاويٌّ”: نحن نحتاج المال للمواجهة “الفكرية والثقافية” مع أعداء الدين، فقل له: إذا أعطيتكم الزكاة لذلك فماذا نفعل بضرورات الفقراء؟ ومن يكسو العارين من المسلمين؟ ومن يطعم الجياع؟ ومن يصون شبابهم الفقراء المحتاجين للنكاح عن الفاحشة بتزويجهم؟… إلخ.
فإن أجابك: نأخذ من أموال الأغنياء ما يكفي لذلك من غير الزكاة، فقل له: إذن لماذا لا تتركون الزكاة لأهلها ويتبرَّع لكم الأغنياء ـ الذين يثقون بكم ـ بما تشترون به مراكزكم وتقيمون به مؤتمراتكم ومعارضكم ومشاريعكم التجارية على أن لا تتضمن ما يخالف الشريعة؟؟ فتكونون بذلك سلمتم من المعصية، ولم توهموا الدافع أن زكاته صحت وهي لم تصح، وعندها تكونون اتبعتم منهج علماء المسلمين قديمًا وحديثًا.
ولنذكر هنا حادثة واحدة تشهد لما قلناه صراحة وهي ما حصل مع الفقيه المجاهد عز الدين بن عبد السلام الملقب بسلطان العلماء رحمه الله تعالى، فإن المسلمين واجهوا في زمانه خطرًا داهمًا من الصليبيين والتتار معًا فاحتاج الحاكم إلى المال لمواجهتهم فلم يُفْتِهِ ابن عبد السلام بأخذ أموال الزكاة لإعطائها لجنود الديوان، ولا قال له استعملها في كل ما يقع عليه اسم الجهاد ـ مع عظم فتنة التتار كما هو مشهور ـ، بل منعه حتى من فرض ضريبة على عموم الناس لهذا الغرض، وإنما أمره أن يأخذ من ماله ومال أمرائه ومَنْ كانَ نحوهم لسدّ هذه الضرورة.
ومن راجع طبقات الشافعية لابن السبكي أو البداية والنهاية لابن كثير ونحوهما من كتب التواريخ والتراجم يرى العجب من صلابة هذا الإمام، وقيامه في جهاد الكفار، والصدع بالحق عند ظلمة السلاطين، مع سعة العلم، ووفور التواضع، واتّساع الجاه بين الناس.
وياليت “الدكتور” القرضاوي، وياليت إدارة الرابطة المذكورة التي وزَّعت فتواه، ياليتهم التزموا أقوال أئمة المسلمين وسِير الصالحين ولم يدخلوا فيما لا يحسنون، فيكونون بذلك قد عرفوا قدرهم ولزموا حدَّهم، ولم يشوّشوا على المسلمين قضايا دينهم ولا أحوجونا إلى الاشتغال بتسويد القراطيس ردًّا عليهم للذود عن دين الله والقيامِ بواجب النصيحة لله ولرسوله وعامَّة المؤمنين وخاصَّتهم.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website