النذر واليمين
النذر واليمين
الحمدّ لله ربّ العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البرّ الرحيم والملائكة المقربين على سيّدنا محمد أشرف المرسلين.
أما بعد فقد ورد بالإسناد المتصل أنّ رسول الله صلى عليه وسلم قال: “من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعْصِه“.
النذر واليمين كلاهما إذا كان معلقا بمعصية الله فلا يجوز تنفيذه، إذا نذر شخص أن يضرب فلانا ظلما أو يهينه ظلما أو يتلف له مالا ظلما فلا يجوز له أن يفي بنذره هذا بل عليه أن يكسر هذا النذر لأنّ النذر وضع للتقرب إلى الله.
الله تبارك وتعالى يحبّ الوفاء بالنذر إذا كان ذلك النذر في ما يحب الله تعالى من نوافل العبادات كصدقة التطوع وصيام النفل والاعتكاف في المسجد وحج التطوع، النذر في ذلك كله يصح ويجب الوفاء به.
كذلك سائر القربات أي كلّ شىء فيه تقرب إلى الله من نذر أن يفعله وجب عليه أن يفعله، فإذا لم يف بنذره فهو ءاثم عند الله يستحق العذاب في الآخرة، كما أنّ النذر الذي يحبه الله تعالى هذا نذره الوفاء به فيه ثواب.
أما إذا لم يكن النذر لله تعالى فقد يكون ذلك شركا وكفرا كما لو نذر شخص لولي أو وليّة تقربا إلى ذلك الوليّ أو تلك الولية ليس بنية التقرب إلى الله تعالى هذا باطل هذا كفر، كأن ينذر إنسان لوليّ من الأولياء كالأوزاعي أو ولية من الوليات كالسيدة زينب لا بنية التقرب إلى الله بالتصدق عن روح هذا الولي أو الولية بل نبية أنّ هذا الوليّ أو هذه الولية النذر لهما يقضي الحاجات ويفرج الكربات ناسيا الله تعالى ما خطر بباله التقرب إلى الله هذا نذر فاسد محرّم يكون شركا عبادة لغير الله.
الخلق كلهم عباد الله فالأنبياء والأولياء ومن سواهم لا يستحقون أن يتذلل لهم نهاية التذلل أما الله تبارك وتعالى الذي خلقنا وخلق العالم كلّه فهو الذي يستحق أن يتذلل له نهاية التذلل.
الأنبياء والأولياء يعظمون تعظيما يليق بهم لا كتعظيم الله. فكما أنه لا يجوز الصلاة لغير الله تعالى كذلك النذر بنية التقرب إلى عبد من عباد الله تعالى لا يجوز.
كثير من الذين يزورون مقامات الأولياء بعيدون من الله كلّ البعد حتى إنهم لا يفهمون معنى لا إله إلا الله يقولونها ولا يفهمون معانيها كالذين ينذرون الشموع لتشعل عند مقام من غير أن يقصدوا التقرب إلى الله بنفع من حول هذا المقام ليستعين به في قراءة القرءان أو نحو ذلك، إنما قصدهم تعظيم صاحب البقعة بهذا الاشعال، هؤلاء شياطين ضلّوا وهلكوا لأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لعن الذين يتخذون السُّرُج أي الأضواء كالشمع والكهرباء فمن أشعل الشموع عند مقام ما بسبب اعتقاده أنّ صاحب هذا المقام يقضي له الحاجات لأجل تعظيمه لمقامه أو يدفع عنه البلاء فهذا فعله مردود فيه معصية.
فمن رأى مكانا يشعل فيه الشموع في النهار من غير أن يكون هناك ظلام بل لمجرد تعظيم البقعة إن استطاع فرض عليه أن يطفىء هذا بل أن يأخذ هذه الشموع ويذهب بها يعطيها لفقير ليشعلها في بيته.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسُّرُج” أما زوّارات القبور معناه النساء اللاتي يكثرن من زيارة القبور هذا قبل أن يحلّل الله زيارة القبور، لما كانت حراما على الرجال والنساء ثم بعد ذلك جاءه الوحي بالإذن فقال: “كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها” النهي الذي كان سبق انتسخ بهذا الحديث أما اتخاذ القبور مساجد وإشعال السُّروجِ أي الأضواء على القبور بقي حراماً، الآن لا يجوز أن نبني مسجدا على قبر لتعظيم هذا القبر بالصلاة إليه حرام، يكون شبيها بعبادته لو لم يقصد الشخص عبادة هذا القبر.
فزيارة القبور بعد ما أحلّها الرسول هي جائزه للرجال والنساء وفي مذهب الإمام أبي حنيفة فيها ثواب للرجال والنساء ليس للرجال فقط وفي بعض المذاهب كمذهب الشافعي زيارة النساء للقبور ليس فيها ثواب إنما زيارة الرجال فيها ثواب الشافعية يقولون بعدما نزلت الرخصة هي جائزة للرجال والنساء إنما للرجال مسنونة أما للنساء فمكروهة ليست حراما.
ويجوز في هذه المسئلة العمل بمذهب أبي حنيفة فالمرأة إذا لم تتزين ولم تتعطر وذهبت إلى قبر مسلم فلها ثواب سواء إن كان يخصها بقرابة أم لا حتى في حال الحيض لو ذهبت فسلمت تسليما ولم تقرأ القرءان يجوز لها ثواب لأن الحيض لا يمنع من الاستغفار والصلاة على النبي والتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل ولا يمنع من دعاء الله تعالى.
فإذا قرأ شخص القرءان على قبر الميت دعا أو لم يدع تنزل الرحمة على هذا القبر لأنه قرأ القرءان عنده، أما إذا كانت القراءة في البيت للشخص الميّت فيدعو بعدما يقرأ أو قبل أن يقرأ يقول اللهم أوصل ثواب ما أقرأه إلى روح فلان أو فلانة أو إلى أرواح هذه الجبانة.
فالحاصل أن النّذر قسمان نذر فيه ثواب يجب الوفاء به ونذر فاسد فيه معصية لا ينفّذ لا يجوز الوفاء به.
فمن النذر الذي هو معصية ما يفعله بعض الناس في هذه البلاد تنذر المرأة أن تشحذ من الناس من أجل ولدها، تنذر فتدور على الناس لتلمّ، فالشحاذة لا تجوز إلا لضرورة، الإنسان الذي لا يجد ما يكفيه لقوته أو للباسه الضروريّ يجوز أن يشحذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصِه” وقال أيضا: “لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق” هذا الحديث مهم جدا لأنه يدخل في أبواب كثيرة منها أن الشخص إذا أمره إنسان قريب له أو بعيد، صديق أو بغيض لا يجوز أن يطيعه في معصية الله، حتى الأمير الذي يحكم البلاد لا يجوز أن يطاع في معصية الله وكذلك الوالدان الأب والأم فكثير من الأبناء لارضاء آبائهم أو أمّهاتهم يعصون ربهم كل هذا هلاك.
الله تبارك وتعالى هو نهانا أن نطيع أحدا من خلقه في معصيته سواء كانت هذه المعصية تتعلق بظلم إنسان آخر أو غير ذلك كما أنه لا يجوز للشخص أن يتحزب لإنسان على ظلمه لإنسان آخر لو كان أمه أو أباه أو أخاه. وهذا الحديث: “لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق” من جملة جوامع الكلم التي أوتيها نبيّنا صلى الله عليه وسلم، الله تعالى رزقه من الفصاحة والبلاغة ما لم يرزق أحدا من المخلوقين، أعطاه كلمات كثيرة كلّ واحدة تجمع معاني كثيرة هذه يقال لها جوامع الكلم.
والله أعلم.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website