طريق ممتد يأخذك من صخب وزحام ميدان السيدة عائشة وسط القاهرة، إلى مقابر وآثار تغرق في صمت مهيب.
وتتشعب من الطريق أيضًا حارات ضيقة، تفضي بك في النهاية إلى المقصد: ضريح جثمان الإمام الشافعي، الذي يرقد فيه منذ نحو ١٢٠٠ عام، بعد رحلة علم طويلة تنقل خلالها بين غزة والحجاز واليمن والعراق، ثم كتب الفصل الأخير في حياته هنا، في حي الخليفة جنوب شرقي العاصمة المصرية.
وأبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المطلِبي القرشي هو ثالث الأئمة الأربعة، ولديه مكانة خاصة في قلوب المصريين، إذ يأتون إلى زيارة ضريحه بانتظام رغم إغلاقه منذ نهاية عام ٢٠١٦ بسبب أعمال الترميم التي تطال قبته الشهيرة، إضافة إلى الضريح ذاته من الداخل.
وأخيرًا تم افتتاح المسجد، بعد اكتمال ترميمه، أما الضريح فلا يزال مغلقا، ويعود بناء المسجد إلى عهد الخديوي توفيق عام ١٨٩١، ووفقا لوزارة الأوقاف المصرية فإن أعمال ترميم وإصلاح المسجد التي نفذتها شركة المقاولون العرب تكلفت نحو ١٣ مليون جنيه مصري (نحو ٨٢٨ ألف دولار أميركي).
من المعروف تأثر المصريين بالأئمة وأهل البيت والتبرك بهم، ورغم استنكار اصحاب الفكر الشاذ من الوهابية والدواعش لهذه الثقافة الشعبية فإنها ظلت جزءًا أصيلًا من الفلكلور المصري.
من هو الإمام الشافعي؟
هو أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ (١٥٠-٢٠٤هـ / ٧٦٧-٨٢٠م) هو ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، ومؤسس علم أصول الفقه، وهو أيضًا إمام في علم التفسير وعلم الحديث، وقد عمل قاضيًا فعُرف بالعدل والذكاء. وإضافةً إلى العلوم الدينية، كان الشافعي فصيحًا شاعرًا، وراميًا ماهرًا، ورحّالًا مسافرًا. أكثرَ العلماءُ من الثناء عليه، حتى قال فيه الإمام أحمد: «كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس»، وقيل: إنه هو إمامُ قريش الذي ذكره النبي محمد بقوله: «عالم قريش يملأ الأرض علمًا».
كان الشافعي ورعًا كثير العبادة، فقد كان يختم القرآن في كل ليلة ختمة، فإذا كان شهر رمضان ختم في كل ليلة منها ختمة، وفي كل يوم ختمة، وكان يختم في شهر رمضان ستين ختمة. وعن الربيع بن سليمان المرادي المصري أنه قال: «كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين مرة، كل ذلك في صلاة».
وقال الحسين بن علي الكرابيسي: «بتُّ مع الشافعي ثمانين ليلة، كان يصلي نحو ثلث الليل، لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله لنفسه وللمؤمنين أجمعين، ولا يمر بآية عذاب إلا تعوّذ بالله منها، وسأل النجاة لنفسه ولجميع المسلمين، وكأنما جُمع له الرجاءُ والرهبةُ».
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
ومما روي عن ورعه ما قاله الحارث بن سريج: «أراد الشافعي الخروج إلى مكة، فأسلم إلى قصّارٍ ثيابًا بغداديةً مرتفعةً، فوقع الحريق، فاحترق دكان القصار والثياب، فجاء القصارُ ومعه قومٌ يتحمل بهم على الشافعي في تأخيره ليدفع قيمة الثياب، فقال له الشافعي: قد اختلف أهل العلم في تضمين القصّار، ولم أتبين أن الضمان يجب، فلست أضمنك شيئًا».
وعن الربيع بن سليمان أنه قال: قال الشافعي: «ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا شبعةً اطّرحتها (يعني فطرحتها)؛ لأن الشبعَ يثقل البدن، ويقسي القلب، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة». وقال الربيع بن سليمان: «كان الشافعي جزَّأ الليل ثلاثة أجزاء: الأول يكتب، والثاني يصلي، والثالث ينام».