“هل وصلوا إلى لبنان؟” كان السؤال الأبرز الذي تكرر لدى الرأي العام اللبناني خلال الأيام الماضية، وذلك بعد تقارير صحفية ربطت بين حادثتي انتحار شهدتهما الضاحية الجنوبية لبيروت، وبين جماعة “القربان” الشيعية، التي ذاع صيتها الشهر الماضي في العراق، حيث قيل إنها تختار بالقرعة من بين أعضائها من يجب أن ينتحروا.
كان أبرز ظهور إعلامي لهم في بيان صادر عن وكالة الاستخبارات والتحقيقات في وزارة الداخلية العراقية، في شهر مايو الماضي، أعلنت فيه إلقاء القبض على أربعة أشخاص في قضاء سوق الشيوخ بمحافظة ذي قار، قالت إنهم من أعضاء جماعة “القربان”، وأحالتهم إلى التحقيق واصفة الجماعة بـ “المنحرفة”.
وانتشر بعدها سيل من التقارير والتحقيقات التي حاولت تشريح أفكار ومعتقدات هذه الجماعة، والتي أجمعت بمعظمها على تأليههم للإمام علي بن أبي طالب، متحدثة عن ممارسات متطرفة لا تتوقف عند “الانتحار بالقرعة” بين أعضائها، كنوع من تقديم القربان البشري.
الأمر أثار قلقا وخوفا في المجتمع اللبناني، من إمكانية انتشار أفكار متطرفة من هذا النوع في الدولة التي تشهد أصلاً أزماتها الخاصة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، وما أفرزته من ارتفاع في نسب البطالة والجرائم والتسرب التعليمي، وتدهور في واقع الصحة النفسية، فضلا عن تزايد حالات الانتحار المسجلة
خلال البحث عن معلومات حول “جماعة القربان” نجد العديد من الأخبار المتناقلة غير المسندة. أخبار يذكرنا بعضها بما رافق ظاهرة “عبدة الشياطين” من شائعات ومبالغات. فحتى الآن ما تزال الجماعة تعمل بسرية، ولم يظهر أحد من أفرادها ليحكي عن قيمها وأفكارها. وما تزال القضية مبهمة بالنسبة لكثير من الصحفيين والباحثين المتابعين لقضايا الجماعات الشيعية المتشددة.
تشير معلومات أخرى، غير مؤكدة، إلى أن زعيم الجماعة مقيم في إيران، وأنها انطلقت من هناك. أما كيف انتقلت إلى العراق، فوفق المعلومات ذاتها، خلال توجه شبان عراقيون لزيارة مرقد الإمام علي الرضا في مدينة مشهد الإيرانية سيراً على الأقدام، قضى هؤلاء أسابيع احتكوا خلالها بأفراد هذه الجماعة وأخذوا منهم تعاليمها.
انتحار صادم يثير التكهنات
بتاريخ 29 يونيو، سجل انتحار شاب علي فرحات في منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، وذلك بعدما رمى بنفسه من الطابق الثالث وهو عارٍ من ملابسه. الشاب اللبناني كان قد وصل قبل أسبوعين إلى لبنان قادما من كندا، مكان إقامته، برفقة زوجته وطفلهما.
كاد الخبر أن يمر مرور الكرام لولا أن زوجته، فاطمة فخر الدين، وبعد ساعات من انتحاره، قفزت بدورها من أعلى بناء في منطقة حي السلم محاولة الانتحار، بجسد عارٍ هي أيضا، إلا أنها لم تصطدم فورا بالأرض ما حال دون وفاتها، الأمر الذي أثار تساؤلات، ودفع الأجهزة الأمنية إلى فتح تحقيق خاص بالواقعتين، لاسيما بعدما جرى حديث عن ارتباط لعلي وزوجته بجماعة “القربان”، وأنهم كانوا ضحايا “قرعة الانتحار” التي وقعت عليهما
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
كثيرة هي المعلومات والفرضيات التي طرحتها التقارير الإعلامية حول صلة فرحات بتلك المجموعة المتطرفة، بعضها يتحدث عن انضمام علي وزوجته إلى هذه الجماعة في كندا، وآخرون يقولون في أفريقيا، والبعض الآخر يتحدث عن العثور على دلائل في هاتف علي تكشف ارتباطه بهذه الجماعة، وسط تناقل روايات تتحدث عن سلوكيات غريبة سبقت ورافقت واقعة الانتحار، إلا أن أيّا من هذه الروايات لم يجر تأكيده من مصدر موثوق حتى اللحظة
التحقيقات ترصد تصرفات غريبة
مصدر في قوى الأمن الداخلي، التي تتولى التحقيقات اليوم في هذه القضية، أكد في تصريح لموقع “الحرة” أن تحقيقات الأجهزة الأمنية لم تبيّن حتى الآن أي صلة لما حصل بجماعة “القربان”، موكدا أن التحقيقات لا تزال مستمرة في القضية.
وأضاف المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه لعدم امتلاكه إذنا بالتصريح، أن التحقيقات بينت انخراط الشاب “بنوع معين من الشعائر والتصرفات الغريبة جدا، كرفض التكنولوجيا وعدم النوم على السرير وغير ذلك، فضلا عن غرابة فعل الانتحار وهو عارٍ، لكن لم يتضح بأي جماعة يرتبط فعليا”.
وإذ يستبعد المصدر المعلومات المتداولة عن تواجد لـ “جماعة القربان” في لبنان، يؤكد أن الأجهزة الأمنية تدقق أيضا في هذه الادعاءات، واصفا المعلومات المتناقلة اليوم بـ “تحليلات، ونحن لا نستطيع أن نحلل وإنما نحقق ونعتمد على ما يظهره التحقيق، وهذا يحتاج إلى وقت لكشف كامل الملابسات”.
وبحسب المصدر فقد جرى التحقيق مع الزوجة أيضا، وقد نفت ارتباطها بهذه الجماعة، دون أن تكشف عن تفاصيل جديدة، لافتا إلى أن “ما فعلته الزوجة، في محاولة انتحارها، لا يقل غرابة أيضا”.
“انحرافات مرفوضة”
وقد أعادت هذه الواقعة التذكير بجماعة شيعية متطرفة أخرى كانت قد تواجدت في بعض القرى جنوبي لبنان، تسمي نفسها “حزب الأمير”، تؤله بدورها علي بن أبي طالب، وتمارس طقوسا خاصة وغريبة، ارتبط اسمها في النهاية بجريمة قتل في بلدة عربصاليم جنوبي البلاد، لتنقطع أخبارها من بعدها.
وأثيرت مخاوف من إمكانية عودة اتجاهات فكرية متطرفة ومغالية كتلك للظهور، في الوسط الشيعي في لبنان، بعدما ثبت حضورهم في العراق خلال الفترة الماضية.