من مواطن تشويشهم على المسلمين مسئلة إهداء القراءة للأموات المسلمين ويكفي في إثبات ذلك الاستدلال بحديث البخاري (كتاب المرضى: باب ما رخض للمريض أن يقول إني وجع ..إلخ) أنه عليه السلام قال لعائشة [ذاكِ لو كان وأنا حيّ فأستغفر لكِ وأدعو لكِ]، ومحل الشاهد في هذا الحديث قوله [ودعوت لك] فإن هذه الكلمة تشمل الدعاء بأنواعه، فدخل في ذلك دعاء الرجل بعد قراءة شىء من القرءان لإيصال الثواب للميت بنحو قول: اللهم أوصل ثواب ما قرأتُ إلى فلان؛ وما شهر من خلاف الشافعي أن القراءة لا تصل إلى الميت، فهو محمول على القراءة التي تكون بلا دعاء بالإيصال وبغير ما إذا كانت القراءة على القبر، فإن الشافعي أقرّ ذلك.
قال المحدّث مرتضى الزبيدي في شرح الإحياء ما نصه “قال السيوطي في شرح الصدور: وأما قراءة القرءان على القبر فجزم بمشروعيتها أصحابنا وغيرهم، قال الزعفراني: سألت الشافعي عن القراءة عند القبر فقال لا بأس به، وقال النووي في شرح المهذب: يستحب لزائر القبور أن يقرأ ما تيسّر من القرءان ويدعو لهم عقبها نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب، زاد في موضع ءاخر: وإن ختموا القرءان على القبر كان أفضل. انتهى. وقد سئل الشمس محمد بن علي بن محمد بن عيسى العسقلاني الكناني السمنودي الشافعي عرف بابن القطان المتوفى في سنة 813 وهو من مشايخ الحافظ ابن حجر عن مسائل فأجاب، ومنها: وهل يصل ثواب القراءة للميت أم لا؟ فأجاب عنها في رسالة سمّاها القول بالإحسان العميم في انتفاع الميت بالقرءان العظيم، ونذكر منها هنا ما يليق بالمقام مع الاختصار، قال رحمه الله تعالى: اختلف العلماء في ثواب القراءة للميت فذهب الأكثرون إلى المنع وهو المشهور من مذهب الشافعي ومالك ونقل عن جماعة من الحنفية، وقال كثيرون منهم يصل وبه قال الإمام أحمد بعد أن قال القراءة على القبر بدعة، بل نقل عنه أنه يصل إلى الميت كل شىء من صدقة وصلاة وحج وصوم واعتكاف وقراءة وذكر وغير ذلك، ونقل ذلك عن جماعة من السلف، ونقل عن الشافعي انتفاع الميت بالقراءة على قبره، واختاره شيخنا شهاب الدين بن عقيل، وتواتر أن الشافعي زار الليث بن سعد وأثنى عليه خيرًا وقرأ عنده ختمة وقال أرجو أن تدوم فكان الأمر كذلك، وقد أفتى القاضي حسين بأن الاستئجار للقراءة على رأس القبر جائز كالاستئجار للأذان وتعليم القرءان، قال النووي في زيادات الروضة: ظاهر كلامه صحة الإجارة مطلقًا وهو المختار فإن موضع القراءة موضع بركة وتنزل الرحمة وهذا مقصود ينفع الميت.
وقال الرافعي وتبعه النووي: عود المنفعة إلى المستأجر شرط في الإجارة فيجب عود المنفعة في هذه الإجارة إلى المستأجر أو ميته، لكن المستأجر لا ينتفع بأن يقرأ الغير له، ومشهور أن الميت لا يلحقه ثواب القراءة المجرّدة فالوجه تنزيل الاستئجار على صورة انتفاع الميت بالقراءة أقرب إجابة وأكثر بركة، وقال في كتاب الوصية: الذي يعتاد من قراءة القرءان على رأس القبر قد ذكرنا في باب الإجارة طريقين في عود فائدتها إلى الميت، وعن القاضي أبي الطيب طريق ثالث وهو أن الميت كالحي الحاضر فيرجى له الرحمة ووصول البركة إذا أهدى الثواب إلى القارىء، وعبارة الروضة إذا أوصل الثواب إلى القارىء. انتهى.
وعن القاضي أبي الطيب: الثواب للقارىء والميت كالحاضر فترجى له الرحمة والبركة، وقال عبد الكريم الشالوسي: القارىء إن نوى بقراءته أن يكون ثوابها للميت لم يلحقه إذ جعل ذلك قبل حصوله وتلاوته عبادة البدن فلا تقع عن الغير، وإن قرأ ثم جعل ما حصل من الثواب للميت ينفعه إذ قد جعل من الأجر لغيره والميت يؤجر بدعاء الغير، وقال القرطبي: وقد استدل بعض علمائنا على قراءة القرءان على القبر بحديث العسيب الرطب الذي شقه النبي صلى الله عليه وسلم باثنين ثم غرس على قبر نصفًا وعلى قبر نصفًا وقال :”لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا” رواه الشيخان، قال: ويستفاد من هذا غرسُ الأشجار وقراءة القرءان على القبور، وإذا خفف عنهم بالأشجار فكيف بقراءة الرجل المؤمن القرءان، وقال النووي: استحب العلماء قراءة القرءان عند القبر واستأنسوا لذلك بحديث الجريدتين وقالوا: إذا وصل النفع إلى الميت بتسبيحهما حال رطوبتهما فانتفاع الميت بقراءة القرءان عند قبره أولى، فإن قراءة القرءان من إنسان أعظم وأنفع من التسبيح من عود، وقد نفع القرءان بعض من حصل له ضرر في حال الحياة فالميت كذلك، قال ابن الرفعة: الذي دلّ عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرءان إذا قُصد به نفع الميت وتخفيف ما هو فيه نفعه، إذ ثبت أن الفاتحة لما قصد بها القارىء نفع الملدوغ نفعته، وأقرّ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله:”وما يدريك أنها رقية”، وإذا نفعت الحي بالقصد كان نفع الميت بها أولى لأن الميت يقع عنه من العبادات بغير إذنه ما لا يقع من الحي، نعم يبقى النظر في أن ما عدا الفاتحة من القرءان الكريم إذا قرىء وقصد به ذلك هل يلتحق به. انتهى.
وروى ابن السني من حديث ابن مسعود أنه قرأ في أذن مبتلى فأفاق فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم [ما قرأت في أذنه]، قال: قرأت (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا) [سورة المؤمنون] حتى فرغت من ءاخر السورة، فقال صلى الله عليه وسلم [لو أن رجلاً قرأ بها على جبل لزال]، ومثل ذلك ما جاء به في القراءة بالمعوّذتين والإخلاص وغير ذلك، وفي الرقية بالفاتحة دليل على صحة الإجارة والجعالة لينتفع بها الحي فكذلك الميت.
ومما يشهد لنفع الميت بقراءة غيره حديث معقل بن يسار [اقرءوا على موتاكم] رواه أبو داود، وحديث [اقرءوا يس على موتاكم] رواه النسائي وابن ماجه وابن حبان، وحديث [يس ثلث القرءان لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له، فاقرؤوها على موتاكم]. رواه أحمد، وأوّل جماعة من التابعين القراءة للميت بالمحتضر والتأويل خلاف الظاهر، ثم يقال عليه إذا انتفع المحتضر بقراءة يس وليس من سعيه فالميت كذلك والميت كالحي الحاضر يسمع كالحي الحاضر كما ثبت في الحديث. انتهى ما نقلته من كلام ابن القطان.
وروي عن علي بن موسى الحداد قال: كنت مع الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في جنازة ومحمد بن قدامة الجوهري الأنصاري أبو جعفر البغدادي ـ فيه لين، وقال أبو داود ضعيف روى له البخاري في خبر القراءة خلف الإمام مات سنة سبع وثلاثين ومائتين ـ معنا فلما دفن الميت جاء رجل ضرير يقرأ عند القبر فقال له أحمد: يا هذا إن القراءة عند القبر بدعة، فلما خرجنا من المقابر قال محمد بن قدامة لأحمد: يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر بن إسماعيل الحلبي ـ أبي إسماعيل الكلبي مولاهم صدوق مات سنة مائتين بحلب روى له الجماعة ـ فقال: ثقة قال: هل كتبت عنه شيئًا، قال: نعم، قال: أخبرني مبشر بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج ـ نزيل حلب مقبول روى له الترمذي عن أبيه العلاء بن اللجلاج الشامي، يقال إنه أخو خالد ثقة، روى له الترمذي ولأبيه اللجلاج صحبة عاش مائة وعشرين، خمسين في الجاهلية وسبعين في الإسلام، قال أبو الحسن بن إسماعيل اللجلاج والد العلاء غطفاني، واللجلاج والد خالد عامري ـ أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عند رأسه فاتحة البقرة وخاتمتها وقال: سمعت ابن عمر رضي الله عنه يوصي بذلك، فقال له أحمد: فارجع إلى الرجل فقل له يقرأ، وهكذا أورده القرطبي في التذكرة.
وعند الطبراني من طريق عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج قال: قال لي أبي: يا بني إذا وضعتني في لحدي فقل: بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله، ثم سُنّ عليّ التراب سَنًّا، ثم اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك، هكذا هو عند الطبراني وكأنه سقط منه: فإني سمعت أبي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الصحبة للجلاج لا للعلاء، وأما قول ابن عمر فقد روي مرفوعًا رواه البيهقي في الشعب عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره وليقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وعند رجليه بخاتمة سورة البقرة]، ورواه الطبراني كذلك إلا أنه قال [عند رأسه بفاتحة الكتاب] والباقي سواء.
وقال أحمد بن محمد المروذي (كنيته أبو بكر) سمعت أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: إذا دخلتم المقابر فاقرءوا بفاتحة الكتاب والمعوّذتين وقل هو الله أحد واجعلوا ثواب ذلك لأهل المقابر فإنه يصل إليهم، كذا أورده عبد الحق الأزدي في كتاب العاقبة عن أبي بكر أحمد بن محمد المروذي على الصواب، وروى النسائي والرافعي في تاريخه وأبو محمد السمرقندي في فضائل سورة الإخلاص من حديث علي: من مرّ على المقابر وقرأ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [سورة الإخلاص/1] إحدى عشرة مرة ثم وهب أجره للأموات أعطي من الأجر عدد الأموات، قال الشمس بن القطان ولقد حكى لي من أثق به من أهل الخير أنه مر بقبور فقرأ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} وأهدى ثوابها لهم، فرأى واحدًا منهم في المنام وأخبره بأن الله تعالى غفر له ولسائر القبور فخصه ثواب رأس واو من سورة {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}، وتقسم الباقون باقيها ببركة سورة {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}.
وفي العاقبة لعبد الحق قال: حدثني أبو الوليد إسمعيل بن أحمد عرف بابن أفريد وكان هو وأبوه صالحين معروفين قال لي أبو الوليد: مات أبي رحمة الله عليه فحدثني بعض إخوانه ممن يوثق بحديثه نسيت أنا اسمه قال لي: زرت قبر أبيك فقرأت عليه حزبًا من القرءان ثم قلت: يا فلان هذا قد أهديته لك فماذا لي، قال: فهبّت علي نفحة مسكٍ غشيتني وأقامت معي ساعة ثم انصرفت وهي معي فما فارقتني إلا وقد مشيت نحو نصف الطريق”. ثم قال الزبيدي: “وقال الحافظ ابن رجب: روى جعفر الخلدي قال: حدثنا العباس بن يعقوب بن صالح الانباري سمعت أبي يقول: رأى بعض الصالحين أباه في النوم فقال له: يا بني لم قطعتم هديتكم عنا، قال: يا أبت وهل تعرف الأموات هدية الأحياء، قال: يا بني لولا الأحياء لهلكت الأموات.
وروى ابن النجار في تاريخه عن مالك بن دينار قال: دخلت المقبرة ليلة الجمعة فإذا أنا بنور مشرق فيها فقلت: لا إله إلاّ الله نرى أن الله عز وجل قد غفر لأهل المقابر، فإذا أنا بهاتف يهتف من البعد وهو يقول: يا مالك بن دينار هذه هدية المؤمنين إلى إخوانهم من أهل المقابر، قلت: بالذي أنطقك إلا خبرتني ما هو، قال: رجل من المؤمنين قام في هذه الليلة فأسبغ الوضوء وصلى ركعتين وقرأ فيهما فاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد وقال: اللهم إني قد وهبت ثوابها لأهل المقابر من المؤمنين، فأدخل الله علينا الضياء والنور والفسحة والسرور في المشرق والمغرب؛ قال مالك فلم أزل أقرؤها في كل جمعة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منامي يقول لي: يا مالك قد غفر الله لك بعدد النور الذي أهديته إلى أمّتي ولك ثواب ذلك، ثم قال لي: وبنى الله لك بيتًا في الجنة في قصر يقال له المُنِيف، قلت: وما المنيف؟ قال: المطل على أهل الجنة.
وقال السيوطي في شرح الصدور: فصل في قراءة القرءان للميت أو على القبر: اختلف في وصول ثواب القراءة للميت فجمهور السلف والأئمة الثلاثة على الوصول، وخالف في ذلك إمامنا الشافعي رضي الله عنه مستدلا بقوله تعالى {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى}[سورة النجم/39] وأجاب الأوّلون عن الآية بوجوه: أحدها: أنها منسوخة بقوله {وَالَّذِينَ ءامَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ} [سورة الطور/21] الآية أدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء، والثاني: أنها خاصة بقوم إبراهيم وموسى عليهما السلام، فأما هذه الأمة فلها ما سعت وما سعي لها، قاله عكرمة، الثالث: أن المراد بالإنسان هنا هو الكافر، فأما المؤمن فله ما سعى وما سعي له قاله الربيع بن أنس، الرابع: ليس للإنسان إلا ما سعى من طريق العدل، فأما من باب الفضل فجائز أن يزيده الله ما شاء قاله الحسين بن الفضل، الخامس: أن اللام بمعنى على أي ليس على الإنسان إلا ما سعى. قلت: وقد أورد ابن القطان في الرسالة المذكورة هذه الأجوبة وقال: القول بالنسخ روي عن ابن عباس، قال: فجعل الولد والطفل في ميزان أبيه ويُشفع الله تعالى الآباء في الأبناء والأبناء في الآباء بدليل قوله تعالى {ءابَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} [سورة النساء/11] وذكر القول الثالث، ونقل عن القرطبي أن كثيرًا من الأحاديث تدل على هذا القول، ونقل عنه أيضًا أنه قال: ويحتمل أن يكون قوله {إِلاَّ مَا سَعَى} [سورة النجم/39] خاصة بالسيئة لما في الحديث [وإن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها له حسنة].
قال ابن القطان: وكنت بحثت مع الشيخ سراج الدين البلقيني بالخشابية بجامع عمرو بن العاص هل تُضَعَّفُ هذه الحسنة أيضًا قلت: وينبغي أن تضعف لقوله تعالى {إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [سورة النساء/40] فقال: نعم وتضعف من جنس ما هَم به. ثم قال: ومن المفسرين من قال المراد بالإنسان أبو جهل أو عقبة بن أبي معيط أو الوليد بن المغيرة، قال: ومنهم من قال الإنسان بسعيه في الخير وحسن صحبته وعشرته اكتسب الأصحاب وأسدى لهم الخير وتردد إليهم فصار ثوابه لهم بعد موته من سعيه، وهذا حسن، ومنهم من قال: الإنسان في الآية الحي دون الميت ومنهم من قال: لم ينف في الآية انتفاع الرجل بسعي غيره له وإنما نفى عمله بسعي غيره وبين الأمرين فرق” اهـ.
ثم قال الزبيدي: “ثم قال السيوطي: واستدلوا على الوصول بالقياس على الدعاء والصدقة والصوم والحج والعتق، فإنه لا فرق في نقل الثواب بين أن يكون عن حج أو صدقة أو وقف أو دعاء أو قراءة، وبالأحاديث الواردة فيه، وهي وإن كانت ضعيفة فمجموعها يدل على أن لذلك أصلاً وبأن المسلمين ما زالوا في كل مصر يجتمعون ويقرءون لموتاهم من غير نكير فكان ذلك إجماعًا، ذكر ذلك كله الحافظ شمس الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي في جزء ألّفه في المسئلة، قال القرطبي: وقد كان الشيخ العز بن عبد السلام يفتي بأنه لا يصل إلى الميت ثواب ما يقرأ، فلما توفي رءاه بعض أصحابه فقال له: إنك كنت تقول إنه لا يصل إلى الميت ثواب ما يقرأ أو يُهدى إليه فكيف الأمر؟ قال له: كنت أقول ذلك في دار الدنيا والآن قد رجعت عنه لما رأيت من كرم الله في ذلك وأنه يصل إليه ذلك، ثم قال السيوطي: ومن الوارد في قراءة القرءان على القبور ما تقدم من حديث ابن عمر والعلاء بن اللجلاج مرفوعًا كلاهما. وأخرج الخلال في الجامع عن الشعبي قال: كانت الأنصار إذا مات لهم ميت اختلفوا إلى قبره يقرءون له القرءان، وأخرج أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني في فوائده عن أبي هريرة رفعه :”من دخل المقابر ثم قرأ بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد وألهاكم التكاثر ثم قال: إني جعلت ثواب ما قرأت من كلامك لأهل المقابر المؤمنين والمؤمنات كانوا شفعاء له إلى الله تعالى. وأخرج القاضي أبو بكر بن عبد الباقي الأنصاري في مشيخته عن سلمة بن عبيد قال: قال حماد المكي: خرجت ليلة إلى مقابر مكة فوضعت رأسي على قبر فنمت فرأيت أهل المقابر حلقة حلقة فقلت: قامت القيامة، قالوا: لا، ولكن رجل من إخواننا قرأ قل هو الله أحد وجعل ثوابها لنا فنحن نقتسمه منذ سنة. وأخرج عبد العزيز صاحب الخلال من حديث أنس: من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم وكان له بعدد من دفن فيها حسنات. وقال القرطبي في حديث: “اقرءوا على موتاكم يس” يحتمل أن تكون هذه القراءة عند الميت في حال موته ويحتمل أن تكون عند قبره، قال السيوطي وبالأول قال الجمهور وبالثاني قال ابن عبد الواحد المقدسي في جزئه الذي تقدم ذكره وبالتعميم في الحالين قال المحب الطبري من متأخري أصحابنا، وقال القرطبي: وقيل إن ثواب القراءة للقارىء وللميت ثواب الاستماع ولذلك تلحقه الرحمة، ولا يبعد في كرم الله أن يلحقه ثواب القراءة والاستماع معًا ويلحقه ثواب ما يهدى إليه من القرءان وإن لم يسمع كالصدقة والدعاء.اهـ.
تنبيه: سئل ابن القطان: هل يكفي ثواب أو يتعين مثل ثواب؟ فأجاب في الرسالة المذكورة ما لفظه: ولا يشترط في وصول الثواب لفظ هذا ولا جعل ثواب، بل تكفي النية قبل القراءة وبعدها خلافًا لما نقلناه عن عبد الكريم الشالوسي في القبلية، نعم لو فعله لنفسه ثم نوى جعله للغير لم ينفع الغير، ويكفي للقارىء ذكر ثواب ولا يتعين مثل ثواب.
وقال النووي: المختار أن يدعو بالجعل فيقول: اللهم اجعل ثوابها واقعًا لفلان، وقال في الأذكار: الاختيار أن يقول القارىء بعد فراغه: اللهم أوصل ثواب ما قرأته إلى فلان، وليس ثواب على تقدير المثل بل لو قال: مثل ثواب تكون مثل زائدة كما هو أحد الأقوال في قوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ} [سورة الشورى/11]. نعم إن قيل للقارىء ثواب قراءته وللمقروء له مثل ثوابها فيكون ثوابها على تقدير وهو خلاف ظاهر مختار النووي وخلاف الأئمة المهديين، فإنهم حين يهدون يقولون: اجعل ثواب، والأصل عدم التقدير، وينقدح في قوله: اجعل ثواب احتمالان: أن يكون للمهدى له وللقارىء مثلها، الثاني: أن يكون للمهدي وهو القارىء والمهدى له مثلها”. انتهى كلام مرتضى الزبيدي.
وقال الحافظ الزبيدي في موضع ءاخر ما نصه: “فصل: اتفق أهل السّنة على أن الأموات ينتفعون من سعي الأحياء بأمرين أحدهما: ما تسبب إليه الميت في حياته، والثاني: دعاء المسلمين واستغفارهم له والصّدقة والحج على نزاع فيما يصل من ثواب الحج، فعن محمد بن الحسن انه إنّما يصل للميت ثواب النفقة والحج للحاج، وعند عامة أصحابنا ثواب الحج للمحجوج عنه وهو الصّحيح، واختلف في العبادات البدنية كالصّوم والصّلاة وقراءة القرءان والذكر فذهب أبو حنيفة وأحمد وجمهور السلف إلى وصولها، والمشهور من مذهب الشافعي ومالك عدم وصولها، وذهب بعض أهل البدع من أهل الكلام إلى عدم وصول شىء البتة لا الدعاء ولا غيره، وقوله مردود بالكتاب والسّنة، واستدلاله بقوله تعالى {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} [سورة النجم/39] مدفوع بأنه لم ينف انتفاع الرجل بسعي غيره وإنّما نفى ملك غير سعيه، وأمّا سعي غيره فهو ملك لساعيه فإن شاء أن يبذله لغيره وإن شاء أن يبقيه لنفسه، وهو سبحانه وتعالى لم يقل انه لا ينتفع إلا بما سعى، ثم قراءة القرءان وإهداؤه له تطوّعًا بغير أجرة يصل إليه، أما لو أوصى بأن يعطى شىء من ماله لمن يقرأ القرءان على قبره فالوصية باطلة لأنه في معنى الأجرة كذا في الاختيار، والعمل الآن على خلافه فالأولى أن يوصي بنية التعلم والتعليم ليكون معونة لأهل القرءان فيكون من جنس الصّدقة عنه فيجوز. ثم القراءة عند القبور مكروهة عند أبي حنيفة ومالك وأحمد في رواية لأنه لم ترد به السنة، وقال محمد بن الحسن وأحمد في رواية لا تكره لما روي عن ابن عمر أنه أوصى أن يقرأ على قبره وقت الدّفن بفواتح سورة البقرة وخواتمها” اهـ.
ولنختم هذا البحث بما قاله الشطي الحنبلي في تعليقه على غاية المنتهى ونصه: “قال في الفروع وتصحيحه: لا تكره القراءة على القبر وفي المقبرة، نص عليه، وهو المذهب، فقيل تباح، وقيل تستحب، وكذا في الإقناع”.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website