إن قال الوهابي: نفي الجهة عن الله مؤد إلى محال وهو إثبات موجود تخلوا عنه الجهات الست ويكون لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصلا به ولا منفصلا عنه وذلك محال.
الجواب على ذلك: قال الإمام القشيري فيما نقله الزبيدي في الاتحاف “وقصارى الجهلة قولهم: كيف يُـعقل موجود لا في محل، والذي يدحض شُبههم أن يقال لهم: قبل أن يخلق العالم أو المكان هل كان موجودا أم لا؟ فمن ضرورة العقل أن يقولوا بلى. فيلزمه لو صح قوله: لا يعلم موجود إلا في مكان أحد أمرين: إما أن يقول المكان والعرش والعالم قديم، وإما أن يقول الرب محدث. وهذا مآل الجهلة الحشوية، ليس القديم بالـمُحدَث والـمُحدَث بالقديم”.اهـ
فإن قال الوهابي: أنتم تلزموننا أن نقر بما لا يدخل تحت الفهم.
الجواب على ذلك: قلنا إن أردت بالفهم التخيل والتصور فإن الخالق لا يدخل تحت ذلك إذ ليس بمحس ولا يدخل تحته إلا جسم لـه لون وقدر فإن الخيال قد أنس بالمبصرات فهو لا يتوهم شىء إلا على وفق ما رآه لأن الوهم من نتائج الحس وليس محور الاعتقاد على الوهم بل على ما يقتضيه العقل الصحيح السليم الذي هو شاهد للشرع، وإن أردت أنه لا يُعلَمُ بالعقل، فقد دللنا أنه ثابت بالعقل لأن العقل مضطر إلى التصديق بموجب الدليل، واعلم أنك لما لم تجد إلا جسما أو عَرَضاً وعلمت تنـزيه الخالق عن ذلك بدليل العقل الذي صرفك عن ذلك فينبغي أن يصرفك عن كونه متحيزا أو متحركا أو منتقلا. فكما صح عقلا وجوده قبل المكان بلا مكان صح وجوده بعد المكان بلا مكان. فبطل تمويههم على ضعفاء العقول إذا لم تقل أنه في مكان فقد نفيت ربك.
فإن قال المشبه الوهـابي: كيف يقال الله ليس متصلا بالعالم ولا منفصلا عنه هذا لا يقبله العقل.
الجواب على ذلك أن يقال لـه: العقل الصحيح يقبل كون الله لا في مكان لأنه كما صح وجود الله قبل خلق المكان بلا مكان صح وجوده بعد أن خلق المكان بلا مكان، لكن الوهم لا يتصوَّر كون الله لا في مكان كما لا يتصور الوهم وقتا لم يكن فيه ظلام ولا نور وهذا الوقت الذي لم يكن فيه ظلام ولا نور فقد أثبته القرءان كقوله تعالى {وجعل الظلمات والنورَ} فالنور والظلام مخلوقان بشهادة القرءان فهل يَفهمُ تصوُّرُكم وقتا لم يكن فيه ظلام ولا نور وقد ثبت ذلك بهذه الآية.
وقال الإمام بدر الدين بن جماعة في إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل ما نصه: فإن قيل نفي الجهة عن الموجود يوجب نفيه لاستحالة موجود في غير جهة: قلنا: الموجود قسمان موجود لا يتصرف فيه الوهم والحس والخيال والانفصال وموجود يتصرف فيه ذلك ويقبله فالأول ممنوع لاستحالته والرب لا يتصرف فيه ذلك إذ ليس بجسم ولا عرض ولا جوهر فصح وجوده عقلا من غير جهة ولا حيز كما دل الدليل العقلي فيه فوجب تصديقه عقلا وكما دل الدليل العقلي على وجوده مع نفي الجسمية والعرضية مع بُعد الفهم الحسي لـه فكذلك دل على نفي الجهة والحيز مع بعد فهم الحس له.اهـ
وإذا قال الوهابي: كيف تلزمني، إذا قلت بالانفصال، بالمسافة والحد وقد قلت أن بين الله والعالم العدم المحض
فيقال له: هربت من إثبات المسافة فأثبتَّ المماسة والاتصال حيث أن العدم لا شىء، فكأنك قلت لا شىء بين الله وبين العالم فحكمت باتصاله بالعالم وجعلته من جنسه فما جاز عليه جاز على الله بمقتضى عقيدتك الفاسدة فتكون بذلك قد جوّزت على الله الفناء والحدوث وكل ذلك كفر وإشراك بالله.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وقال الحافظ ابن الجوزي في دفع شبه التشبيه: فإن قيل نفي الجهات يحيل وجوده قلنا إن كان الموجود يقبل الاتصال والانفصال فقد صدقت فأما إذا لم يقبلهما فليس خلوه من طرق النقيض بمحال فإن قيل أنتم تلزموننا أن نقر بما لا يدخل تحت الفهم قلنا إن أردت بالفهم التخيل والتصور فإن الخالق لا يدخل تحت ذلك إذ ليس بمحس ولا يدخل تحته إلا جسم لـه لون وقدر فإن الخيال قد أنس بالمبصرات فهو لا يتوهم شىء إلا على وفق ما رآه لأن الوهم من نتائج الحس وإن أردت أنه لا يُعلَمُ بالعقل فقد دللنا أنه ثابت بالعقل لأن العقل مضطر إلى التصديق بموجب الدليل، واعلم أنك لما لم تجد إلا جسما أو عَرَضاً وعلمت تنزيه الخالق عن ذلك بدليل العقل الذي صرفك عن ذلك فينبغي أن يصرفك عن كونه متحيزا أو متحركا أو منتقلا. فكما صح عقلا وجوده قبل المكان بلا مكان صح وجوده بعد المكان بلا مكان. فبطل تمويههم على ضعفاء العقول إذا لم تقل أنه في مكان فقد نفيت ربك.اهـ