Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.
قال الله تعالى في القرآن الكريم: {وما ءاتاكم الرَّسولُ فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} سورة الحشر.
لا يزال أدعياءُ السلفية يُحرِّجون على المؤمنين ويُحرِّمون عليهم كل ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوى أن ذلك بدعة، ويموِّهون على الناس بكلام لا ينطلي إلا على الجهلة الذين لا يهتدون إلى سبيل الرد على فرقة الوهابية بينما ترى أدعياءَ السلفية أنفسهم ابتدعوا ويبتدعون في الدين ما لم يأذن به اللهُ ولا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ولم يُفتِ بجوازه أحدٌ من أئمة الإسلام المعتبرين، فقد درَج المسلمون منذ قرون طويلة في عباداتهم على الالتزام بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه الشريف فيُصلُّون ويُزكُّون ويصومون ويحجُّون كما علَّمَهم وبيَّن لهم، يُعلِّم ذلك العلماءُ للعامة وينقله الأجدادُ للآباء والآباء للأحفاد ثم جاء هذا العصر الذي صار الدين فيه غريبًا والأمر بالمعروف متروكًا والنهي عن المنكر مهجورًا إلا قليلا، وراح بعضهم ينقض عُرى الدينِ عروةً عروةً من حيث يدري أو لا يدري، وهذا من جملة الفتن التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بها في آخر الزمان، والأمثلة على ذلك كثيرةٌ ولو أردنا بسط الكلام فيها لطال الحديث جدًا غير أني أحببت من خلال هذا المقال المقتضب أن أسلط الضوء على بدعة شنيعة قبيحة لا نبالغ لو قلنا فيها إنها “بدعة العصر” ليعرف ذلك الناسُ فيزداد العالمون بحقيقة المذهب الوهابي يقينًا بمخالفة هذه الجماعة لما عليه المسلمون، ويدرك الذين لا يعرفون حقيقةَ الوهابية من هم الوهابية، لا سيما ونحن في موسم الحج، وقد كان من أثر بدعتهم أن أفسدوا بها على كثيرٍ من الناس حجَّهم وعمرتهم.
خيانة الوهابية للأمة
منذ سنين قليلة تقدَّم أحد أدعياء السلفية واسمه عبد الملك بن عبد الله بن دهيش باقتراحٍ مضمونه الدعوة إلى زيادة عرض المسعى من الجهة الشرقية بين موضع السعي والشارع العام بحيث تصير المساحة المضافة ذات اتجاهٍ واحدٍ للذهاب من الصفا وتصير مساحة السعي الأصلية ذات اتجاهٍ واحدٍ للرجوع من المروة وبذلك يسعى الساعي عند الذهاب من الصفا إلى المروة خارج حدود المسعى، وزعم أن ذلك لأجل المصلحة تيسيرًا على الناس لضيق المكان بالسَّاعين. وللأسف تمَّ العمل بهذا الاقتراح فأخرجوا المسعى عن حدِّه الذي يصح فيه السعي، وما حصل هو في الحقيقة خطبٌ جلل وخيانة للأمة وفتنة ينبغي أن يعمل على ردها المسلمون في أنحاء الأرض لأن تنفيذ هذا العمل يُخرج العبادة عن الطريقة التي أمر بها ربنا تعالى وبيَّنها نبينا صلى الله عليه وسلم.
وإليكم بيان ذلك: قال الله تعالى:{إن الصفا والمروة من شعآئر الله فمن حجَّ البيت أو اعتمر فلا جُناح عليه أن يطَّوف بهما} سورة البقرة. قال النووي في “الأسماء والصفات”: “إن الصفا أنفٌ (جزءٌ بارزٌ) من جبل أبي قُبيس والمروة أنفٌ من جبل قُعيقِعان”. قلت: وقد شرع الله الطَّواف بين الصفا والمروة أي هذين الجزئين من الجبلين لا كل الجبلين، وما فتوى الوهابية بجواز السعي خارج حد الصفا والمروة إلا تحريف لمعنى النص القرآني ومخالفةٌ واضحة لما جاء في حديث جابرٌ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لتأخذوا عني مناسككم”رواه مسلم. وقد حجَّ النبي صلى الله عليه وسلم واعتمر فسعى بين الصفا والمروة حصرًا فلا يجوز بعد ذلك لأحدٍ أن يُفتي بخلاف ما شرعه الله ودلَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والعجب كيف ساغ لأدعياء السلفية، وهم يزعمون أنهم يُحاربون البدعة ويرون كل مُحدثٍ في الدين بعد النبي صلى الله عليه وسلم ضلالة، العملُ بهذه الفتوى الباطلة وهذا شىءٌ لم يسبقهم إليه أحدٌ بل قد أجمع أهل المذاهب الأربعة وغيرهم على عدم جواز صحة السعي خارج حدود الصفا والمروة وإن المتتبع لأقوال العلماء يجد الحكم على خلاف ما ذهبت إليه الوهابية ففي “المنحة” لابن عابدين الحنفي “والمجموع” للنووي الشافعي “والروض المربع” لمنصور البهوتي الحنبلي “وشفاء الغرام” للتقي الفاسي المالكي أن السعي الصحيح هو ما كان ضمن الحدِّ الذي بيَّنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأن السعي خارج ذلك الحدِّ لا يصح، بل قد كفَّر ابن تيمية من سعى خارج حدِّ المسعى القديم بنية العبادة كما في “مجموع الفتاوى”. ولو فرضنا أن أدعياء السلفية أرادوا بذلك التيسير على الناس وتخفيف الزحمة لأجل وجود صعوبة في أداء النسك لضيق المسعى والواقع أنه لا حرج في الحقيقة في ذلك لسَعة المسعى وسَعَة وقت السعي فما المانع من بناء طابقٍ فوق طابق بناءً للقاعدة المعروفة بأن هواء المكان تابعٌ له، وما المانع من تنظيم السعي فوجًا بعد فوج فيتم بذلك للحاج وللمعتمر نسكهما صحيحًا؟ وليت شعري هل سيفتون يومًا بجواز الطواف خارج المسجد لأجل الزحمة أيضًا وهل سيُفتون بتأجيل رمضان من تموز إلى تشرين تيسيرًا على الناس؟ ولو فُتح للناس باب ما يسمى تعديل الأحكام على حسب ما يزعمون من المصالح بآرائهم لصار الدين أثرًا بعد عين علمًا أن العبادات توقيفية أي لا يجوز التغيير فيها بالرأي بل نلتزم فعلها على الوجه الذي شرعه الله، وما ابتداع مكان جديدٍ للسعي تحت ذريعة الزحمة إلا بدعة قبيحة واستدراك على الشرع، وترى أدعياء السلفية بكل وقاحة بعد ذلك يدَّعون محاربة البدعة وهم يُبدلون في أحكام الدين كما يرون والله تعالى يقول: {فمن بدَّله بعدما سمعه فإنمآ إثمه على الذين يُبدلونه إن الله سميعٌ عليم} سورة البقرة.
وخلاصة القول إن من سعى في التوسعة الجديدة لا يصح حجه ولا عمرته، فالحذر الحذر وقد تصدى للرد على هذا غير واحدٍ من أهل العلم جزاهم الله خيرًا ولكن طُمس بيانهم وطُويت صفحتهم باليد الوهابية السوداء، وليَعلم كل من يفتي بصحة السعي في المسعى الجديد أنه يضع في ذمته ملايين المسلمين وكل من اكتفى بالسعي في المسعى الجديد فقط ممن أرادوا النسك سيبقى في حكم المحرِم حتى يموت، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
المصدر: الشيخ أسامة السيد مجلة الشراع