اسم أدخل الرعب في قلوب ملوك أوروبا الصليبية حتي أتته نساء ملوكهم وأبناءهم يطلبن العفو والأمان، هو السلطان الكبير أبو يوسف يعقوب المنصور بن أبي يوسف بن أبي محمد عبد المؤمن بن علي القيسي الكومي (ت 595 هـ) من أعظم وأبرز ملوك المغرب قاطبة وكان يعيد بشغفه بالجهاد وكثرة تعداد أفراد جيوشه وأهبته الحربية ذكرى أسلافه العظام من أمثال يوسف بن تاشفين وجده عبد المؤمن وأبوه يوسف المنصور وخلفه على عرش المغرب ولده الأمير أبو يعقوب وكان مثل أبيه معنياً بشئون الأندلس خبيراً بها.
وكان السلطان يعقوب أحد أبرز سلاطين دولة الموحدين التي تأسست على يد ابن تومرت الأشعري صاحب كتاب العقيدة المرشدة (1) التي اشتهرت باسم عقيدة ابن عساكر، وجاء في هذه العقيدة قوله في حق الله تعالى (موجود قبل الخَلق ليس له قبلٌ ولا بعدٌ، ولا فوقٌ ولا تحتٌ، ولا يمينٌ ولا شمالٌ، ولا أمامٌ ولا خلفٌ، ولا كلٌ ولا بعضٌ، ولا يقال متى كان ولا أين كان ولا كيف كان، كان ولا مكان كوّن المكان ودبّر الزمان، لا يتقيّد بالزمان، ولا يتخصص بالمكان) وقد رفع السلطان يعقوب راية الجهاد، ومن أشهر معاركه معركة الأرك التي جرت بينه وبين الفرنجة بقيادة ملكهم الأذفونش وتؤكد المصادر التاريخية انتصار السلطان يعقوب انتصارا باهرا.
ثم كانت الهدنة لمدة خمس سنوات بين الطرفين، وبعد انتهاء الهدنة أخذ الطرفان بالاستعداد الحربي للمعركة المقبلة وحين عزم على التوجه من مراكش إلى جزر الإفرنج لمحاربتهم أصيب السلطان يعقوب بمرض جعل الإفرنج يطمعون في المسلمين، ثم زحف السلطان بجيوشه ومُنِيَ الأذفونش وجيشه بهزيمة كبيرة جعلت جيوش المسلمين تتتبعهم فتقتل وتأسر حتى حل الليل.
بعد ذلك قام السلطان يعقوب بحصار طليطلة عاصمتهم مدة طويلة حتى استسلمت ودخلها فاتحًا، ومن مواقفه الرائعة التي تدل على شهامته أن صلاح الدين الأيوبي استنجد به في الحروب الصليبية لتخليص بيت المقدس من الأسر.
بعد انتصاره تنازل السلطان يعقوب عن الملك ثم يمَّم شطر الشرق العربي حيث أقام في سهل البقاع زاهدًا عابدًا في الفترة الأخيرة من حياته، وكان يأوي إلى قمة جبل حيث شق قبره بحياته وسط الصخور، وهذا شائع ومعروف في القرية التي حملت اسمه.
قال المؤرخ ابن خلكان (كان صافي السمرة جدا إلى الطول ماهو جميل الوجه أفوه أعين شديد الكحل ضخم الأعضاء جهوري الصوت جزل الألفاظ من أصدق الناس لهجة وأحسنهم حديثا وأكثرهم إصابة بالظن مجرباً للأمور ولي وزارة أبيه…).
وقال رحمه الله (وبعد هذا اختلفت الروايات في أمره، فمن الناس من يقول إنه ترك ما كان فيه وتجرد وساح في الأرض حتى انتهى إلى بلاد الشرق وهو مستخفٍ لا يعرف ومات خاملاً، ومنهم من يقول إنه لما رجع إلى مراكش كما ذكرناه توفي في غرة جمادى الأولى وقيل في شهر ربيع الآخر في سابع عشره وقيل في غرة صفر سنة خمس وتسعين وخمسمائة بمراكش وقيل إنه مات بمدينة سلا والله أعلم، وكانت ولادته على ما ذكر هو ليلة الأربعاء رابع شهر ربيع الأول سنة أربع وخمسين وخمسمائة رحمه الله تعالى ولم ينقل شيء من أحواله بعد ذلك إلى حين وفاته، ثم حكى لي جمع كثير بدمشق في شهر شوال سنة ثمانين وستمائة أن بالقرب من المجدل البليدة التي من أعمال البقاع العزيزي قرية يقال لها حمّارة وإلى جانبها مشهد يعرف بقبر الأمير يعقوب ملك المغرب وكل أهل تلك النواحي متفقون على ذلك وليس عندهم فيه خلاف وهذا القبر بينه وبين المجدل مقدار فرسخين من جهتها القبلية بغرب والله أعلم).
(1) قول الإمام المهدي في تنزيه الله عن المكان والزمان، يقول إبن عرفة وهو من كبار علماء المغرب العربي وما أحسن قول الإمام المهدي أي ابن تومرت في عقيدته حيث قال (ولا يقال متى كان ولا أين كان ولا كيف كان، كان ولا مكان كوّن المكان ودبّر الزمان، لا يتقيّد بالزمان، ولا يتخصص بالمكان).
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website