اليُسْر والتيسير سنة نبوية، وهو مقصد من مقاصد الإسلام، وسمة من سماته، في الشرائع والأحكام، والمعاملات والبيوع، والدعوة والتعليم، والإسلام عموماً جاء باليسر والتيسير، قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة:185)، قال مجاهد والضحاك: {اليُسْرَ} الفطر في السفر، و{العُسْرَ} الصوم في السفر. وقد عقب القرطبي على قولهما، فقال: “والوجه عموم اللفظ في جميع أمور الدين، كما قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (الحج:78)، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم (دين الله يُسر)، قال صلى الله عليه وسلم: (يسروا ولا تعسروا)، واليسر من السهولة”.
وقد وصف الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (التوبة:128) قال ابن كثير: “{عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} أي: يعز عليه الشيء الذي يُعنت أمته، ويشق عليها”. وعن محجن بن الأدرع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنكم أمَّة أُرِيدَ بكم اليسر) رواه أحمد. والنبي صلى الله عليه وسلم سلك منهج التيسير الذي أراده الله عز وجل لهذه الأمة، وقام بتربية أصحابه عليه، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لم يبعثني مُعَنِّتاً ولا مُتَعَنِّتاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً) رواه مسلم. قال الصنعاني: “فالمعنى أن الله تعالى لم يبعثني مشدداً على الغير، ملزماً له ما يصعب عليه أداؤه ولا طالب لزلته…(ولكن بعثني معلماً ميسراً) ولذا كان يقول: (يسروا ولا تعسروا)”.
والسيرة النبوية المباركة حافلة بالمواقف والأحداث الدالة على اليُسر والتيسير، ومنها
أمْر النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالتيسير
كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه دائماً بالتيسير، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما بعثتم مُيَسِّرين، ولم تبعثوا معسِّرين) رواه أبو داود. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا) رواه مسلم. قال النووي: “إنما جمع في هذه الألفاظ بين الشيء وضده؛ لأنه قد يفعلهما في وقتين، فلو اقتصر على يسروا لصدق ذلك على من يسر مرة أو مرات، وعسر في معظم الحالات، فإذا قال: ولا تعسروا انتفى التعسير في جميع الأحوال، وهذا هو المطلوب”
وروى مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ومُعاذاً إلى اليمن، فقال لهما: (يَسِّرَا ولا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرا وَلَا تُنَفِّرا، وتطاوعا ولا تخْتَلِفا)، قال القاضي عياض: “فيه ما يجب الاقتداء به من التيسير فى الأمور، والرفق بالناس، وتحبيب الإيمان إليهم، وترك الشدة والتنفير لقلوبهم، لا سيما فيمن كان قريب العهد به. وكذلك يجب فيمن قارب حدَّ التكليف من الأطفال ولم يتمكن رسوخ الأعمال فى قلبه ولا التمرن عليها، ألَّا يُشدد عليه ابتداء؛ لئلا ينفر عن عمل الطاعات”.
وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إِن الدِّين يُسْرٌ، ولنْ يُشَادَّ -يكلف نفسه من العبادة فوق طاقته- الدِّين أَحَدٌ إِلَّا غلبه، فَسَدِّدُوا، وقارِبوا، وَأَبْشِرُوا)، قال ابن المنير: “في هذا الحديث عَلَمٌ من أعلام النبوة، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع، وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة، فإنه من الأمور المحمودة، بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال، أو المبالغة في التطوع المُفضي إلى ترك الأفضل”. وقال ابن رجب: “معنى الحديث: النهي عن التشديد في الدين، بأن يحمِّل الإنسان نفسه من العبادة ما لا يحتمله إلا بكلفة شديدة، وهذا هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: (لن يشاد الدين أحد إلا غلبه) يعني: أن الدين لا يؤخذ بالمغالبة، فمن شاد الدين غلبه وقطعه”.
التيسير في المهر والزواج
حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على تيسير الزواج وعدم المغالاة في المهور، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير النكاح (الزواج) أيسره) رواه ابن حبان، وقال صلى الله عليه وسلم: (خير الصَّداق (المَهْر) أيسره) رواه الحاكم، والحكمة من تخفيف الصداق وعدم المغالاة فيه: تيسير الزواج حتى لا ينصرف الناس عنه، فتقع مفاسد خُلُقية واجتماعية متعددة.
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website