هو يوم مشهود من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم إذ نصره الله فيه نصرا مؤزرا عزيزا، كانت بدايته صلح الحديبية، والذي سماه الله فتحا مبينا، كان يوما مشهودا في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم إذ رجع إلى مكة التي خرج منها قبل ثمان سنوات، متخفيا غير مستعلن، واليوم يدخلها مستعلنا مستعليا بفضل الله وقوته، ومعه عشرة آلاف مقاتل، يوم مشهود في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم، حيث دخل البيت الحرام يكسر فيه الأصنام، ويعلن فيه علوّ الحق وأهله، واضمحلال الشرك وحزبه، هو يوم مشهود في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم إذ رأى ثمرة جهاده وكفاحه. في سبيل الله. أكثر من عشرين عاما، رأى الناس يدخلون في دين الله أفواجا وفرادى. فأقر الله له عينه وأتم عليه نعمته صلّى الله عليه وسلّم
[مجمل الأحداث في هذا الفتح المبارك:]
خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم من المدينة، في عشرة آلاف مقاتل، وكان ذلك في شهر رمضان المبارك من العام الثامن للهجرة الميمونة، وكان صلّى الله عليه وسلّم صائما عدة أيام، حتى إذ بلغ مكانا يسمى الكديد، أقرب إلى مكة منه إلى المدينة، بلغه أن أصحابه قد أعياهم الصيام، فأفطر صلّى الله عليه وسلّم وذم من لم يقبل الرخصة واستمر صائما، ولما بلغ قريشا خروج النبي صلّى الله عليه وسلّم قاصدا مكة، خرج له أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يلتمسون الخبر، فلما اقتربوا من جيش المسلمين رأوا نارا عظيمة، أشبه ما تكون بالنيران التي يوقدها الحجاج يوم عرفة، ورآهم حرس النبي صلّى الله عليه وسلّم فأتوا بهم إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأسلم أبو سفيان، وأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بحبسه حتى يرى جحافل الجيش فيثبت إيمانه، فمر الجيش من أمامه كتيبة كتيبة، فإذا سعد بن عبادة يمر من أمامه ومعه الراية على رأس كتيبة عظيمة، فقال لأبي سفيان: اليوم يوم الملحمة تستحل فيه الكعبة، فاشتكى أبو سفيان هذه المقولة للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فرد عليه بمقولته الخالدة: كذب سعد ولكن هذا يوم يعظّم الله فيه الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة، وقد قسم النبي صلّى الله عليه وسلّم الجيش أقساما، فجعل خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى وجعل الزبير على المجنبة اليسرى، وجعل أبا عبيدة على البياذقة وبطن الوادي، واستدعى صلّى الله عليه وسلّم الأنصار فأمرهم أن يقتلوا أوباش مكة، الذين يحملون عليه السلاح، ودخل النبي صلّى الله عليه وسلّم مكة من أعلاها لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان، وأمر بعدة أوامر، منها إهدار دماء بعض مشركي مكة ممن أمعنوا في إيذائه صلّى الله عليه وسلّم، ومنهم ابن خطل وكان وقتها متعلقا بأستار الكعبة، كما أمر صلّى الله عليه وسلّم عثمان بن طلحة رضي الله عنه أن يأتي بمفتاح الكعبة، فدخلها وصلّى فيها، ومكث فيها نهارا طويلا، كما نادى صلّى الله عليه وسلّم في الناس بمقولته المشهورة: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن» ، وما إن سمعت الأنصار هذه المقولة حتى خافت أن يكون النبي صلّى الله عليه وسلّم حنّ لعشيرته وأنه قد يتركهم يعودون إلى المدينة وحدهم، فطمنهم بل وبشرهم بما أسعدهم، كما أجار صلّى الله عليه وسلّم من أجارت أم هانئ، وحطم صلّى الله عليه وسلّم في ذلك اليوم ثلاثمائة وستين صنما كانت حول الكعبة تعبد من دون الله عز وجل، وهو يردد قوله تعالى: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ، ثم خطب في اليوم الثاني من الفتح خطبة أعلم فيها الناس أن مكة قد عادت حراما، وأن الله. سبحانه وتعالى. لم يحلّها لأحد من قبله ولا من بعده
عن أبي هريرة قال: وفدت وفود إلى معاوية، وذلك في رمضان فكان يصنع بعضنا لبعض الطّعام، فكان أبو هريرة ممّا يكثر أن يدعونا إلى رحله فقلت: ألا أصنع طعاما فأدعوهم إلى رحلي؟ فأمرت بطعام يصنع، ثمّ لقيت أبا هريرة من العشيّ، فقلت: الدّعوة عندي اللّيلة، فقال: سبقتني؟ قلت: نعم، فدعوتهم، فقال أبو هريرة: ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار، ثمّ ذكر فتح مكّة فقال: أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى قدم مكّة فبعث الزّبير على إحدى المجنّبتين، وبعث خالدا على المجنّبة الآخرى، وبعث أبا عبيدة على الحسّر، فأخذوا بطن الوادي، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم في كتيبة، قال: فنظر فرآني فقال: «أبو هريرة؟» . قلت: لبّيك يا رسول الله، فقال: لا يأتيني إلّا أنصاريّ- زاد غير شيبان- فقال: اهتف لي بالأنصار، قال: فأطافوا به ووبّشت قريش أوباشا لها وأتباعا، فقالوا: نقدّم هؤلاء فإن كان لهم شيء كنّا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الّذي سئلنا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم» ثمّ قال بيديه، إحداهما على الآخرى، ثمّ قال: «حتّى توافوني بالصّفا» ، قال: فانطلقنا فما شاء أحد منّا أن يقتل أحدا إلّا قلته وما أحد منهم يوجّه إلينا شيئا، قال: فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله أبيحت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم، ثمّ قال: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» ، فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أمّا الرّجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته، قال أبو هريرة: وجاء الوحي، وكان إذا جاء الوحي لا يخفى علينا، فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى ينقضي الوحي، فلمّا انقضى الوحي قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا معشر الأنصار» قالوا: لبّيك يا رسول الله، قال: «قلتم: أمّا الرّجل فأدركته رغبة في قريته؟» قالوا: قد كان ذاك، قال: «كلّا، إنّي عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، والمحيا محياكم، والممات مماتكم» فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله ما قلنا الّذي قلنا إلّا الضّنّ بالله وبرسوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ورسوله يصدّقانكم ويعذرانكم» . قال: فأقبل النّاس إلى دار أبي سفيان وأغلق النّاس أبوابهم. قال: وأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أقبل إلى الحجر فاستلمه ثمّ طاف بالبيت، قال: فأتى على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه، قال: وفي يد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قوس- وهو آخذ بسية القوس- فلمّا أتى على الصّنم جعل يطعنه في عينه ويقول: «جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ» ، فلمّا فرغ من طوافه أتى الصّفا فعلا عليه حتّى نظر إلى البيت ورفع يديه فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو
[بعض فوائد الفتح المبارك:]
الفائدة الأولى: في النبي صلّى الله عليه وسلّم:
ا- بيان واحدة منّ أعظم ما من الله به على نبيه صلّى الله عليه وسلّم من فضائل، وهي أنه. تبارك وتعالى. أحل له مكة ساعة من النهار، ورد عند الشيخين: عن أبي هريرة يقول: إنّ خزاعة قتلوا رجلا من بني ليث عام فتح مكّة بقتيل منهم قتلوه، فأخبر بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فركب راحلته فخطب فقال: «إنّ الله عز وجل حبس عن مكّة الفيل وسلّط عليها رسوله والمؤمنين ألا وإنّها لم تحلّ لأحد قبلي ولن تحلّ لأحد بعدي ألا وإنّها أحلّت لي ساعة من النّهار ألا وإنّها ساعتي هذه» «2» . وقد مر شرح الحديث مبسوطا في فصل: «أحلت له مكة» .
ب- حسن تنظيمه صلّى الله عليه وسلّم للعسكر وإدارته للمعركة، إذ كان من عادته صلّى الله عليه وسلّم أن يقسم الجيش إلى أقسام، ورد في الحديث: «فجعل خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى وجعل الزبير على المجنبة اليسرى، وجعل أبا عبيدة على البياذقة وبطن الوادي» قيل: البياذقة هم الرّجّالة وسموا بذلك لخفتهم وسرعة حركتهم. ومن حسن تنظيمه صلّى الله عليه وسلّم للمعركة تحديد المسئوليات، إذ وكل مهمة قتل أوباش قريش إلى الأنصار، ورد في الحديث: فقال: «يا أبا هريرة ادع لي الأنصار» ، فدعوتهم فجاؤا يهرولون فقال: «يا معشر الأنصار هل ترون أوباش قريش» ؟ قالوا: نعم، قال: «انظروا، إذا لقيتموهم غدا أن تحصدوهم حصدا» ا
ج. وفاؤه صلّى الله عليه وسلّم للأنصار الذين بايعوه على نصرته والدفاع عنه، فقد ظنوا أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم حنّ لأهله وعشيرته، وقد يفضل المكث في مكة على الرجوع معهم إلى المدينة فأعلمه الوحي بذلك فأخبرهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بما دار بينهم ولم يحضره، وبيّن لهم أنه بمقتضى اسمه، محمد، وبمقتضى صفته وهو عبد الله ورسوله، لا يمكن أن يتخلى عنهم بعد أن قدموا له معروفا جميلا وأسدوا إليه صنيعا عظيما، وأبلغهم أنهم أولى الناس به في حياته ومماته، ورد في الحديث قوله صلّى الله عليه وسلّم: قال: «قلتم: أمّا الرّجل فأدركته رغبة في قريته» ؟ قالوا: قد كان ذاك، قال: «كلّا، إنّي عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، والمحيا محياكم، والممات مماتكم» . فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله ما قلنا الّذي قلنا إلّا الضّنّ بالله وبرسوله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ورسوله يصدّقانكم ويعذرانكم»وفي هذه الواقعة بعض اللّفتات الجميلة؛ وهي:
أ- الاشتياق إلى الأهل وإلى العشيرة التي نشأ الإنسان فيها ليس فيه محظور شرعي؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم ما أنكر على الأنصار مقولتهم إلا من حيث إنه لا ينبغي في حقه صلّى الله عليه وسلّم أن يتخلى عنهم بعد أن نصروه وآووه.
ب- تأييد الله عز وجل لنبيه صلّى الله عليه وسلّم بالوحي في كل أموره، فهذا جبريل نزل بالوحي يعلمه بمقولة الأنصار، ولنا أن نتخيل ما كان عليه الصحابة من مطلق الإيمان بصدق النبي صلّى الله عليه وسلّم إذ يخبرهم في الحال بما قالوه سرّا ولم يطلع هو عليه. لا شك أنه إيمان لا يساوره أدنى شك.
ج- كان للنبي صلّى الله عليه وسلّم الحظ الأوفر من اسمه إذ سماه الله محمدا، ويؤخذ من الحديث أنه ما ينبغي له صلّى الله عليه وسلّم أن يقول أي مقولة أو يفعل أي فعلة تناقض اسمه، وعلى كل مسلم الآن أن يراعي اسمه وما تضمنه من صفات ومحامد يجب أن يحرص عليها، ويكون من عدم المروءة أن يأتي بنقيضها.
قال الإمام النووى- رحمه الله- شرحا لمقولة النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لو فعلت هذا الذي خفتم منه وفارقتكم ورجعت إلى استيطان مكة لكنت ناقضا لعهدكم في ملازمتكم، ولكان هذا غير مطابق لما اشتقّ منه اسمي وهو الحمد، فإني كنت أوصف حينئذ بغير الحمد» وانظر أخي القارئ كيف حمل صلّى الله عليه وسلّم الجميل للأنصار وأقرّ به في يوم عظيم، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «هاجرت إلى الله وإليكم»ا
د- إعلامه صلّى الله عليه وسلّم الأنصار بشيء من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله عز وجل، ولا يقدر على الوفاء بها إلا هو جل في علاه، ألا وهي أنه صلّى الله عليه وسلّم سيموت في المدينة ويدفن فيها، وقد يكون هذا مما أوحاه الله له في هذه الواقعة، وقد تكون أيضا مكافأة منه عز وجل للأنصار على ما قدموه لدين الله حتى تم الفتح والنصر، ورد في الحديث: «فالمحيا محياكم والممات مماتكم» . كما أن فيه أمر غيبي آخر، وهو أنه صلّى الله عليه وسلّم سيبقى في المدينة بقية حياته المباركة، ولن يكون له مقام آخر في أي بلد من البلدان. قال الإمام النووي- رحمه الله- في شرح كلام النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إني هاجرت إلى الله وإلى دياركم لاستيطانها فلا أتركها ولا أرجع عن هجرتي الواقعة لله. تعالى.، بل أنا ملازم لكم، فلا أحيا إلا عندكم ولا أموت إلا عندكم، وهذا أيضا من المعجزات»
ه ـ- تأدب الأنصار. رضي الله عنهم. في حديثهم مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، إذ قدموا له العذر على مقولتهم، حيث قالوا: «والله ما قلنا إلا ضنّا بالله ورسوله» والضن هو البخل بالشيء والحرص عليه، ولا يخفى ما في هذه المقولة من شدة حبهم لله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. قال الإمام النووي. رحمه الله. شرحا لمقولة الأنصار: «والله ما قلنا كلامنا السابق إلا حرصا عليك وعلى مصاحبتك ودوامك عندنا لنستفيد منك ونتبرك بك وتهدينا الصراط المستقيم»
و- جميل خلقه صلّى الله عليه وسلّم، ومنه قبوله للعذر، إذ رضي من الأنصار عذرهم وأحسن الظن بهم فصدقهم، وكأنه صلّى الله عليه وسلّم قد شعر بالمصيبة التي ظنوا أنها واقعة بهم إذ لم يرجع النبي صلّى الله عليه وسلّم معهم إلى المدينة، ورد بالحديث على لسانه صلّى الله عليه وسلّم: «فإن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم» .
ز- رحمته صلّى الله عليه وسلّم العامة بالناس، وحرصه على هدايتهم يتبين ذلك من
. تكذيبه لمقولة سعد بن عبادة عندما قال: «يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة» ؛ أي: المقتلة العظيمة، وردّ عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «كذب سعد ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة» ، وهذا يدل على أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يكن متعطشا للدماء، بل كان حريصا على حقنها ما أمكنه
تأمينه صلّى الله عليه وسلّم لطوائف كثيرة من الناس، حيث قال: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن» ، وهذا يدل على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ما كان ينتقم لنفسه، أو يحمل الضغينة والحقد لأحد، وإلا لأثخن في قريش القتل جزاء على ما فعلوه به وبمن آمن به قبل الهجرة وشروطهم المجحفة في صلح الحديبية.
5. شفقته صلّى الله عليه وسلّم بأمته، وإرادته التوسعة عليها والتخفيف عنها، ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ويظهر ذلك جليّا في:
أ. إفطاره صلّى الله عليه وسلّم بعد أن بلغ الكديد بالرغم من اقتراب وقت المغرب، لعلمه أن الناس قد شق عليهم الصيام، وأنهم ما كانوا ليفطروا حتى ينظروا ماذا يفعل النبي صلّى الله عليه وسلّم، ورد عند مسلم: «فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنما ينظرون فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر» كما تدل الواقعة على حسن تصرفه صلّى الله عليه وسلّم إذ بدأ بنفسه فأفطر.
ب. صلاته صلّى الله عليه وسلّم كل الصلوات المفروضة يوم الفتح بوضوء واحد، على غير عادته صلّى الله عليه وسلّم، روى مسلم في صحيحه عن سليمان بن بريدة عن أبيه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلّى الصّلوات يوم الفتح بوضوء واحد ومسح على خفيّه فقال له عمر: لقد صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه قال: «عمدا صنعته يا عمر» .
قال الإمام النووي- رحمه الله-: فيه تصريح بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يواظب على الوضوء لكل صلاة عملا بالأفضل، وصلى الصلوات في هذا اليوم بوضوء واحد بيانا للجواز كما قال صلّى الله عليه وسلّم: «عمدا صنعته يا عمر» ، وهذا من كمال شفقته بالأمة صلّى الله عليه وسلّم.
[تنبيه:]
الحديث لا يدل على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يتوضأ لكل صلاة، ولكن يدل على أنه صلّى الله عليه وسلّم ما كان يصلي الفروض كلها في يوم واحد بوضوء واحد، فمفهوم الحديث لا يمنع أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يصلي أكثر من صلاة بوضوء واحد، وهذا تعقيب على ما ذكره واستنبطه الإمام النووي.
أ- حسن تعبده صلّى الله عليه وسلّم لله عز وجل، وتواضعه لله. سبحانه وتعالى.، حيث باشر بنفسه ما كان يمكن أن يأمر غيره بمعالجته وفعله، ابتغاء مرضات الله وطلبا لثوابه واجتهادا في مرضاته، فهو الذي قام بتكسير ما حول البيت من أصنام كانت تعبد من دون الله في أطهر
أماكن الأرض وأقدسها، روى الشيخان في صحيحهما: عن عبد الله رضي الله عنه قال: دخل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مكّة يوم الفتح وحول البيت ستّون وثلاث مائة نصب فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: «جاء الحقّ وزهق الباطل جاء الحقّ وما يبدئ الباطل وما يعيد» .
قال الإمام ابن حجر- رحمه الله-: وفعل النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك لإذلال الأصنام وعابديها ولإظهار أنها لا تنفع ولا تضر ولا تدفع عن نفسها شيئا
ب- حسن إكرامه صلّى الله عليه وسلّم لأهل الفضل والخير لا فرق عنده في ذلك بين الرجال والنساء؛ روى الشيخان: عن أمّ هانئ بنت أبي طالب تقول: ذهبت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره فسلّمت عليه، فقال: «من هذه» فقلت: أنا أمّ هانئ بنت أبي طالب، فقال: «مرحبا بأمّ هانئ» فلمّا فرغ من غسله قام فصلّى ثماني ركعات ملتحفا في ثوب واحد، فقلت: يا رسول الله، زعم ابن أمّي عليّ أنّه قاتل رجلا قد أجرته، فلان بن هبيرة!! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد أجرنا من أجرت يا أمّ هانئ» ، قالت أمّ هانئ: وذلك ضحى
الفائدة الثانية: في مناقب أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم:
أ. شدة حب الأنصار. رضي الله عنهم. للنبي صلّى الله عليه وسلّم، ومن علامات ذلك الحب، غير ما ذكرته آنفا، أنهم بكوا لما قال لهم النبي صلّى الله عليه وسلّم: «المحيا محياكم والممات مماتكم» .
قال الإمام النووي. رحمه الله.: «وكان بكاؤهم فرحا بما قال لهم وحياء مما خافوا أن يكون بلغه عنهم مما يستحي منه» .
ب. جميل استجابة الأنصار. رضي الله عنهم. لدعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم، حيث إن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما أمر أبا هريرة أن يدعو الأنصار ليعهد إليهم بقتل أوباش قريش، جاؤا إليه يهرولون، ورد في الحديث من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا هريرة ادع لي الأنصار» فدعوتهم فجاؤا يهرولون. كما أنهم من تمام طاعتهم للنبي صلّى الله عليه وسلّم أنهم ما رأوا أحدا من أوباش مكة إلا أناموه.
قال الإمام النووي: (ما ظهر لهم أحد إلا قتلوه فوقع على الأرض أو يكون بمعنى أسكتوه بالقتل كالنائم)ا
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website