زيارة القبور والتبرك بالانبياء.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيدنا محمد وعلى ءاله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. صدق الله العظيم.
اعلموا إخوة الإسلام أنه جاء في شرح هذه الآية أن اطلبوا ما يقربكم إلى الله. فالصلاة والصيام والزكاة والحجّ وبرّ الوالدين ونوافل الطّاعات كلّ منها وسيلة أي قربة إلى الله.
ومن جملة ما يقرب إلى الله زيارة قبور الأنبياء وقبور الأولياء سواء كان للسلام عليهم أو للتبرك بزيارتهم.
ومعنى التبرك هو طلب البركة من الله تعالى، فمن زار قبر أحد الأولياء بنية التبرك أي بنية أن يعطيه الله البركة فهذا يقرب إلى الله ولا يبعده من الله، ومن قال عن هذا إنه شرك فهو ضال، لا حجّة له ولا برهان لا من حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم ولا من القرءان. بل إن زيارة القبر سنّة وفيها ثواب ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها”. رواه مسلم. وفي رواية: “فمن أراد أن يزور القبور فليزر فإنها تذكرنا الآخرة”.
النهي عن زيارة القبور قد نسخ:
كان الرسول في بدء الأمر بوحي من الله قد نهى أصحابه عن زيارة القبور لحكمةٍ الله يعلمها، ثم بوحي من الله رخص لهم في ذلك. ففي الوقت الذي نهاهم عن زيارة القبور كانت الحكمة تقتضي ترك زيارة القبور لأنهم كانوا قريبي عهد بالإسلام ولم يكن مضى عليهم زمان طويل منذ دخلوا في الإسلام. فكانت الحكمة في نهيهم عن زيارة القبور عظيمة لأنّ الوثنيين كانوا يذهبون إلى القبور للإشراك بالله تعالى وكانوا يتفاخرون بمآثر ءابائهم وأجدادهم على القبور، يذهبون إلى القبور فينحرون إبلا ثم يتفاخرون كأن يقول أحدهم: أنا جدي هذا الذي كان له كذا وكذا من المفاخر والمآثر. لهذا كانوا يذهبون لا للاعتبار بأحوال أهل القبور ولا ليستعدّوا للآخرة بل كانوا يعتقدون أن الإنسان إذا مات وصار ترابا لا رجعة له، أي أنهم ما كانوا يؤمنون بالبعث بعد الموت.
استحباب زيارة القبور للرجال والنساء:
ثم لما تمكن الإسلام في الناس جاءت الرخصة من الله تعالى بزيارة القبور فقال عليه الصلاة والسلام بعدما نزل الوحي بالرخصة: “كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها”. رواه مسلم. وفي ذلك عبرة لأولي الأبصار، وزيارة القبور مستحبة للذكور والإناث على السواء.
ومن الأدلة الواضحة على استحباب زيارة القبور للنساء ما رُوي عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم: ماذا تقول عند زيارة القبور فعلّمها أن تقول: “السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ورحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون”. رواه مسلم. فلو كانت زيارة القبور غير مشروعة للنساء لقال لها: أنتن معاشر النساء منهيات عن زيارة القبور، ولكنه علّمها ما تقوله. وإن الأحاديث التي وردت في استحباب زيارة القبور لم يذكر فيها استثناء النساء من الرجال.
الدليل على جواز زيارة قبر النبي للتبرك والتوسل به:
إن معنى التبرك كما ذكرنا هو أن يعطيه الله بركة بزيارته لقبر النبي أو قبر الولي. ثم إن الأنبياء قد أحياهم الله بعدما أماتهم فلا يُستبعد عليهم أن يشعروا بالزائر فيدعون الله له، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الانبياء أحياء في قبورهم يصلون”. رواه البيهقي. وتأكيد ذلك ما ورد في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ومماتي خير لكم فإذا أنا مت عُرضت علي أعمالكم فإن رأيتُ خيرًا حمدت الله وإن رأيتُ غير ذلك استغفرت لكم”. رواه البزّار.
الدليل على جواز التبرك برسول الله بعد موته:
Sunna Files Free Newsletter - اشترك في جريدتنا المجانية
Stay updated with our latest reports, news, designs, and more by subscribing to our newsletter! Delivered straight to your inbox twice a month, our newsletter keeps you in the loop with the most important updates from our website
وقد ورد أنه في زمن سيدنا عمر بن الخطاب حصل قحط ومجاعة فذهب أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبر الرسول للتبرك وقال: يا رسول الله استسقِ لأمتك فإنهم قد هلكوا، أي اطلب من الله أن ينزل لهم المطر. فرأى الرجل في رؤياه رسولَ الله يقول له: “أقرىء عمرَ السلامَ وأخبره أنهم يسقون”، أي أن الله يُنزل لهم المطر، فذهب الرجل إلى سيدنا عمر فأخبره فبكى عمر. رواه البيهقي.
لقد كان ذهاب هذا الرجل إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لغير السلام بل بقصد التبرك به، فلم يعترض عليه سيدنا عمر ولم يقل له هذا شرك، ولم يقل له كيف تذهب إلى قبر الرسول للتبرك والرسول قد مات ولا ينفعك. إن الأنبياء ينفعون بعد موتهم فهذا موسى عليه السلام ليلة المعراج اجتمع بالرسول في بيت المقدس وفي السماء السادسة، فقال للرسول وهو نازل من المكان الذي وصل إليه فوق السموات السبع، ماذا فُرض عليك؟ قال: (أي سيدنا محمد) فُرض علي خمسون، قال: “ارجع فسل ربك التخفيف، فرجع الرسول إلى ذلك المكان الذي كان يناجي فيه ربه وطلب من الله التخفيف، فخفف عنه خمسا، ثم رجع إلى حيث موسى، فقال له موسى: ماذا فعلت؟ قال: قد خفف الله عني خمسا، قال: ارجع إلى ربك وسله التخفيف إلى تسع مرات حتى بقي الفرض عليه وعلى أمته خمس صلوات في اليوم والليلة، فهذا سيدنا موسى الذي مات منذ زمان بعيد قبل الرسول عليه الصلاة والسلام قد نفع بعد موته.
اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر ومن فتنة القبر وفتنة المحيا وفتنة الممات وفتنة المسيح الدجال.
والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم.